العمل النقابي وسؤال التغيير
موقع منار اليوم الخميس 17 يونيو 2021.. بقلم مصطفى فاكر.
يعتبر العمل النقابي إحدى الواجهات المهمة للنضال في سبيل تحرير القوى العاملة من كل أشكال الحيف و الظلم و الإستغلال،إضافة إلى أنه يعد من أهم عوامل بناء القوة المجتمعية البانية لدولة العدل الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي، و تكون النقابة إذ ذاك مؤسسة مجتمعية ضامنة للتوازن و السلم الإجتماعي و الإقتصادي من موقع الإقتراح و البناء من جهة و النضال و الضغط من جهة أخرى.
و سأحاول في هذا المقال طرح أسئلة على العمل النقابي المغربي في سياق المرحلة الراهنة و المتغيرات التي يمر منها البلد:مرحلة تقابلت فيه أكثر من أي وقت مضى، إرادتان متضادتان و متناقضتان”إرادة الرغبة في التحرر و الإنعتاق من قيود الإستبداد و عقود الفساد، و نشدان دولة العدل و الحرية و الكرامة و الحقوق،تجسدت في الحراك الشعبي ضد التعسف و الظلم و الإنحراف عن تطبيق السلطة.
هذا الحراك اتسع على امتداد المجال الجغرافي للتراب المغربي، و إرادة الإلتفاف و المناورة و إعادة التموقع بنفس روح الفساد و الإستبداد لكن هذه المرة بآليات و وسائل جديدة.
فكيف و أين تموقع العمل النقابي المغربي في ظل هذه المرحلة بالذات؟ وقبل ذلك كيف كانت ولادة العمل النقابط و كيف نشأ؟ و ما علاقته بالعمل السياسي؟ و أيهما يؤثر في الآخر؟ وكيف تصاغ المطالب الإجتماعية في ظل سياق سياسي مشتت و متشردم؟
إن أي تنظيم مجتمعي على اختلاف وظيفته و نوعيته يستمد قوته و امتداده و فعاليته من كونه يأتي كنتيجة لإفراز طبيعي لحاجة المجتمع أو المجموعة البشرية التي أسسته، و يعكس تطلعاتها و يساهم في بناء مستقبلها و مجدها. آنذاك سيجد هذا التنظيم حاضنة شعبية دائمة تسنده في معاركه المختلفة، سواء أكانت معارك النضال و الضغط و انتزاع الحقوق أو معارك البناء و الإقتراح و التشييد.
لن نختلف في القول إذا أجزمنا أن الفعل النقابي المغربي ولد و نشأ مع ظهور الإستعمار الأوروبي في بداية القرن 20ميلادي،و انبنى على فكرة و ايديولوجيا مستوردة فهو نسخة من العمل النقابي الغربي الذي ظهر كإفراز للثورة الصناعية في اروبا خلال القرن18،الذي جعل قضيته قضية صراع طبقي بين البورجوازية المالكة لوسائل الإنتاج و البروليتاريا(الطبقة العاملة) الفاقدة لأبسط شروط العيش و العمل و الصحة.
إذن فالعمل النقابي نشأ نشأة سياسية استنساخية بعيدة كل البعد عن كونه افرازا اجتماعيا طبيعيا لحركة الطبقة العاملة المغربية و بعيد كل البعد عن مقومات الأمة المغربية، حتى و إن ساير رجال الحركة الوطنية في المطلب المرحلي”المطالبة بالإستقلال، لأنه أضمر الخلفية الفكرية و الإيديولوجية و الرؤية المستقبلية إلى حين تحقيق المطلب المرحلي المشترك.
سؤال العمل النقابي و التنظيم السياسي :إن التموقع الخاطئ لنقابة كجناح و ذرع لتنظيم سياسي يغذي أطروحاته و يهيج مواليه ضد من يعارضه و يعاديه و يرهن عملها خارج دائرة هموم الطبقة العاملة جعله يستبطن عوامل ضعفه في العمل النقابي، ومن خلال تجربتنا المتواضعة في العمل النقابي منذ الثمانينيات و باطلاعنا على أدبيات كثير من المنظمات النقابية نجد أغلب مبادئها تدور على ثلاثة مبادئ أساسية وهي:الإستقلالية و الديمقراطية و التقدمية. وقد حاولت بعض النقابات أن تجعل من ضمن مبادئها مبدأ الوحدة و غيرها من المبادئ كالجماهيرية.
إن أي تنظيم نقابي يرتهن بما هو سياسي لا يمكنه الصمود أمام هول التحديات الواقعيةحيث تحولت تلك المبادئ إلى نقيضهافالإستقلالية تحولت إلى تبعية لطرف ما و توارت الديمقراطية أمام البيروقراطية القاتلة و انتكست شعارات التقدمية و هكذا طفقت النقابات تفقدجماهيريتها و تحولت النقابة إلى نواد نخبوية تظهر في مناسبات فولكلورية متخلية عن النضال المجتمعي إلى الإسترزاق في منتديات الحوار الإجتماعي أو الإنسحاب في المحطات المفصلية كما وقع في قانون تمديد سن التقاعد و غيرها من المكتسبات والحقوق التي تخلت عنها إرضاءً لأجندات سياسية.
ما البديل؟ :الكل يجمع على عدم تغيير الواقع المعاش في ظل الوضع الراهن و الفعل النقابي المغربي على شاكلته الحالية، فلا حقوق تصان و لا مكاسب تنتزع ما لم يقدم على مصالحة تاريخية مع القواعد العماليه تصون هويتها و تدافع عن حقوقها و تحمل تطلعاتها و تجسد آمالها، ثم بعد هذا نتحدث عن ضرورة أن تكون مبادئ العمل النقابي حاملة لرسالة الأمة في الحياة.
أما على المستوي المرحلي فلابد من إعادة الثقة في الفعل النقابي و يبرهن على استقلالية مبادءه و غاياته و انغماسه في قضايا المجتمع لا اصطفافا مع مصالح الحزب تتقلب بتقلب الأوضاع الحزبية، و تجسد وضوح موقعها و مواقفها آنذاك ستستحق ثقة العمال تجسده نسبة نتائج الاستحقاقات و نسبة مبيعات البطاقات النقابية و يجسده كذلك الحضور القوي في المحطات النضالية التدافعية. كما أن العمل الذاتي التطوعي يبقى مهما و مصيريا في رفي العمل النقابي مع استحضار معوقات العمل الموضوعي خاصة رغبة الدولة في احتواء و تدجين و قمع أي تحرك جاد و مسؤول و تحرري و سيكون صمام الأمان في هذه الحالة هو العمل الجبهوي المستند لقوة جماهيرية تستند العمل النقابي الوحدوي ضد بطش الدولة و مكاذدها الإحتوائية التمزيقية.
و يبقى أهم سؤال في النهاية هو:هل النقابات المغربية مستعدة لأخذ زمام المبادرة في عملية تحرير العمل النقابي ليقوم بدوره الطليعي في سياق تحرك مجتمعي متكامل؟ أم أنها حسمت أمرها و اختارت الموت البطيءو الإرتماء في حضن الأحزاب و في حضن السلطة و البيروقراطية لتترك المهمة لمختلف التمظهرات النضالية البديلة التي تعبر عن نفسها بعنفوان كبير؟؟؟
ذ: مصطفى فاكر