جدال الرمضاني والمهدوي فزاعة لإلهاء المهنيين على المطالبة بحقوقهم المهضومة من طرف المجلس الوطني للصحافة.
بقلم عبدالوافي الحراق رئيس الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والاعلام الالكتروني
جدال الرمضاني والمهدوي فزاعة لإلهاء المهنيين على المطالبة بحقوقهم المهضومة من طرف المجلس الوطني للصحافة.
حقيقة لم يفاجئني السجال الذي دار بين سي الرمضاني وسي المهداوي، وما تضمنه النقاش من إساءات لبعضهما البعض في ليلة عظيمة من ليالي العشر الآواخر لشهر رمضان المبارك. حتى أنني لم أرغب التعليق عن الموضوع احتراما وتبجيلا لتلك الليالي الربانية العظيمة. واليوم أجد نفسي مضطرا للعودة إلى هذا الموضوع لأنه لازال يتناسل في قراءات وكتابات نقدية لا تخرج عن إثارة الحيثيات والشكليات، بينما الحقيقة الموضوعية لهذا الجدال ظلت بعيدة عن الجوهر.
والحال، أن ما جرى ودار بين الصحفيين سي الرمضاني وسي المهدوي، هو انعكاس حقيقي وصورة مصغرة لما آل إليه واقع الإعلام والصحافة ببلادنا، واقع مبعثر مهنيا ومقزز تنظيميا ومشوه سياسيا، يعكس بحق السياسة العمومية الفاشلة للحكومة في تدبير قطاع الإعلام والاتصال.
كما أن هذا السجال لم يخرج عن “اللازمة” والتيمة التي تسكن مرضى النفوس التي تجمع بينهم المهنة الواحدة، المصابون بداء العداوة والحقد وفيروس الإقصاء والاحتقار، تأسيسا على قاعدة المرض العضال “خوك في الحرفة عدوك”.
والظاهر أن “لازمة ” أغنية الإقصاء المهني التي تتردد في كل مقاطع النزاع بين المهنيين، لها إيقاع واحد في كل نغمات هذه المهنة، حيث لا تخرج عن الإنشاد بالمؤهل العلمي وموال البطاقة المهنية وكورال نسبة المشاهدة والمعجبين بمحتوى الروتين الصحفي اليومي.
والواضح أن “لازمة” الإنشاد بالمؤهل وموال البطاقة، من إبداع وتلحين اوركسترا المجلس الوطني الذي جعل من هذه “اللازمة” مزمارا وبوقا يفرقع بهما طبلة آذان خصومه، وتصفية حساباته مع الكفاءات التي تفوقه علميا وثقافيا ومهنيا. وذلك خوفا منه على كراسي اعضاءه التي تدر “الغرامة” بالملايين في حفلات الأسبوع الواحد، بل في حفلة الاجتماع الواحد. فكيف لنا ان نحاسب المهداوي والرمضاني على شروط هذه “الازمة” في حين أن المجلس لا يتوفر على شرط منها.
وبواقع الحال، فإن السيد المهداوي والسيد الرمضاني هما من المنشدين الإعلاميين الكبار، بغض النظر عن توفرهما على شروط ممارسة فنون المهنة من عدمه. فهما يعتبران من منشدي الكلمة المرموقين، الذين يطربوننا بأحاديثهم وقصاصاتهم الإعلامية. لأن العبرة المهنية والمستوى العلمي الميداني يكمن في صناعة المحتوى الكتابي والمرئي، وليس الاختباء بين كراسي التنظيم ورفوف المهنة. وأعتقد أن مكانتهما يجب ان تكون في إدارة معهد فنون المجلس الوطني للصحافة، على اعتبار أن من يسيرونه الآن والقيمين على شأنه لا يبدعون أية كلمة ولا يحكون أية قصاصة، وبالتالي لا يتوفرون على رتبة مسترو وقائد أوركسترا المجلس.
هذا المجلس الذي تحول إلى مرقص إعلامي، لا يتقن بعض أعضاءه إلا فن الرقص على الأصابع، وكوريغرافيا الشطحات والتمايل الصامت والبونطوميم و”سير واجي”. تحت إيقاعات طبول بعض الجواري التنظيمية، التي مهمتها الأساسية الزغردة وترديد “العام زين”.
مجلس، أغلب أصحابه لا يمارسون فن الكلمة الصحفية ولا يتقنون صناعة محتوى الصورة الإعلامية، وليست لدى بعضهم اية شواهد علمية تخول لهم ممارسة فنون المهنة، (ولدينا الدليل على ذلك وسنكشفه في قادم المواعيد) بل ليس لديهم أي أثر يذكر على مستوى إنتاج المحتوى الإعلامي. (والميدان يؤكد الخرس الذي اصابهم في زمن الإعلام الرقمي) على عكس الزميلين المهداوي والرمضاني وغيرهما من الصحافيين المرموقين الذين يتمتعون بغزارة الإنتاج الصحفي المكتوب والسمعي والبصري.
مجلس يختبأ وراء قضية تجديد البطائق المهنية، تفاديا لإحراج بعض أعضاءه الذين تجاوزهم الزمن. حيث يُطلب من المهنيين الإدلاء بنسخ من بطاقات التعريف الوطنية (CIN) الغير القابلة للتجديد كل سنة، وهي بطاقة وطنية لا تتغير ولا تموت إلا مع موت صاحبها، في حين لا يُطلب منهم (أي المهنيين بمن فيهم أعضاء المجلس) الإدلاء بتجديد المؤهل العلمي كل سنة، علما أن التحصيل العلمي والدراسي هو القابل للتجديد ودائم التطور والطلب، لا ينتهي إلا مع موت صاحبه. (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد)
مجلس أفلح في إقامة منصة رقمية لتدبير أشغاله الإدارية، ولم يستطع، ولن يستطع، نشر بطاقة تعريفية لأعضائه، تعرف بمسارهم المهني والتعليمي كما هو الحال لدى بعض المجالس التنظيمية والهيئات المهنية والإدارات المغربية، التي تنشر لائحة أعضاءها مع ملخص لسيرتهم المهنية والعلمية (المهام المهنية، المؤهل الجامعي، التخصص العلمي، المؤسسة المانحة، تاريخ الشواهد المحصل عليه..).
مجلس عند ترشح أعضاءه لانتخاب مكتبه الإداري، سواء كانوا صحافيين أو مدراء للنشر، لا يشترط فيهم شرط التوفر على الإجازة أو ما يعادلها، بالرغم من أن مسؤوليته جسيمة، باعتباره يمثل الإعلام الوطني وصحافة البلاد. بينما الصحفي الذي يشتغل في مقاولة إعلامية صغيرة، مطالب للحصول على بطاقته المهنية بالإدلاء بالمؤهل الجامعي حتى ولو كان مصورا صحفيا لا غير.
وأعتقد أن أعضاء، المجلس الذين يسيرون إعلام الوطن وليس مقاولة، يجب عليهم التوفر على الأقل على الماستر وما فوق، والإدلاء بمؤهلاتهم العلمية لدى الجهات المعنية والرأي العام المهني والوطني. وهذا ما سنعمل على المطالبة به إن شاء الله لتضمينه في التعديلات التي سيعرفها قانون الصحافة والنشر. وكل من سيرفض هذا المقترح ويعارض هذا المطلب الشرعي سينكشف مستواه وسيفضح نفسه أمام الرأي العام المهني والوطني وأمام الحكومة والبرلمان.
كما يجب إعطاء الأولوية للممارس والمتواجد في الميدان المهني، وله حضور وإنتاج محترم على مستوى المحتوى الإعلامي، وله القدرة على المساهمة في التأثير وتشكيل الراي العام الوطني. وإلا فلماذا تخصص الدولة للمجلس الوطني للصحافة 3 ملايير و200 مليون سنتيم وبناية تفوق بناية وزارة الاتصال وهو لا يقوى على ضمان مشهد إعلام وطني جاد ومسؤول؟ وهل كل هذه المبالغ الضخمة المخصومة من المال العام للدولة، مخصصة فقط من أجل منح بطاقة الصحافة التي كانت تمنحها الوزارة في مكتب لا يتجاوز 4 أمتار يرأسه موظفان؟
وأخير أقول للرأي العام الوطني والمهني، أن زوبعة الجدال الدائر بين الرمضاني والمهدوي ما هو إلا فزاعة لإلهاء المهنيين على مطالبهم الشرعية، المهضومة من طرف المجلس الوطني للصحافة، وأن جوهر النقاش هو دعوة الهيئات الناشرة والمنظمات النقابية إلى التكتل داخل تنسيقية وطنية، لاستعادة الديمقراطية للتنظيم الذاتي للمهنة.
كما أدعو هذه الهيئات إلى مطالبة الدولة والقطاع الوصي بتشكيل لجنة محايدة تسهر على جمع المقترحات التعديلية المتعلقة بمدونة الصحافة والنشر، لأن اللجنة المؤقتة هي وجه لعملة المجلس الوطني المزمع انتخابه على مقاس قانون سيتم تفصيله على مقاس أعضاء اللجنة المؤقتة. “فلا يمكن أن يحميها حراميها”