أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » خطاب الوداع الاخير ..للكاتب الصحفي عزيزكوكاس

خطاب الوداع الاخير ..للكاتب الصحفي عزيزكوكاس

بقلم الكاتب الصحفي عبدالعزيز كوكاس..

إلى محمد بلحسن.. أقصد أبي

“سوف تأتي في كل الأحوال يا أيها الموت..

فلِمَ ليس الآن؟

إنني أنتظرك وقد نفذ صبري، من أجلك أطفأتُ الأضواء

وفتحتُ الباب يا بسيطا كأعجوبة

فتعال من فضلك تعال بأي قناع ترغب” أنا أخماتوفا

حين أودعْتُه في أعماق الليل، كانت عيناه غير منطفئتين.. تبادلنا النظرات دون أن يتفوّه بكلمة واحدة، وعدتُ وحيدا حزينا، وحتى اليوم لا أدري: أأودعتُه اللّحد أم أوْدَعني؟

مُتعبا عدتُ إلى لا أين..

لم تشرق الشمس من يومها كأنها استلقتْ بجانبه على سرير الأبدية، كل نسمة ريح تعيد إليّ رائحته، أجده بهيّا كما كان، لم تأكل العتمة أشرعة قاربه، يده تمتد وئيدا لتشُذب ذبالة شمعة سهري.. صوته مليء بالحكايات والمغامرات، خال من التجاعيد، رائحة جسده طرية نفّاذة، تحمل سحر الدوالي والكروم.. كم اشتهيتُ أن أستبق مرقده الأخير.

حين أحسَّ أننا كبُرنا وتآخينا واشتدّ عودنا، علّق شمسا دافئة على سمائنا، جمع أغراضه وأسراره في بقجة لدوائر الزمان هناك، ورحل.. أحس أن العالم لم يعد يحتاج لأنفاسه، وبعناد – حين شعرتُ أنه سينهار وأردتُ إسناده ساعات قليلة قبل أن يموت قرير العين- دفعني بكل ما تبقّى فيه من قوة.. لم يكن يُريد أن نرى ضعفه وهو القوي، العنيد، ينوء الجبل أمام صبره بما حمل من أجلنا وما اشتكى!

ونحن نودعه في سريره البارد بالمستشفى، هممتُ بأن أطفئ الضوء فأشار إليّ بأصبعه، أن لا.. كان يصر أن يبقى ضوء الغرفة منيرا، لم يكن يحب أن يأخذه الموت في جنح الظلام، مثل خفاش حقير يأتيه في جنح الظلام ليسرق روحه ويطلق ساقيه للريح مثل لص، لم يكن يريد أن يأتيه الموت مثل متلصّص جبان وهو الذي لمس خطوط حتفه أكثر من مرة.. كان يود مبارزته في ساحة الشرف بنبل الفرسان.

قبل أن يرحل، أَبَى بلحسن إلا أن يعزّي نفسه فيّ، وترك لي ما تبقى لديه من طوق في عنق الألفة والألاف، حمل أحلامه وكَوّم ذكرياته وأحزانه ورحل عنا بصمت الكبار.. منذ فقدَ مهنته، في ظل حادثة سير غامضة كنت الشاهد فيها عليه وضده بنفس البراءة التي خلقها فيّ.. شعر باحتباس جسده، أصبح قليل المشي والكلام، وضاقت أطراف العالم حوله، وهو المنفلت دوما من سياجات الأمكنة مثل ربيع لا يؤمن بحدود الحقول.

رأيتُه هناك ممددا فوق المغسلة بكامل بهائه.. بعد أن كفّ جسده عن الاشتهاء والحنين، رمقتُ بعض حروف وكومة حكايات تجمّدت على شفتيه الباردتين وكمشة أماني رقدت في حضنه مثل الأنين.. شعرت بدفء غريب وأنا أقترب من جثمانه المستلقي على سرير الخلود مثل نهار خال من ضجيج الخطايا، يفصل بين زمنين حارقين على حافة صراط النعيم.. كنتُ أود أن أقول له الكلام الذي تُسْعفني به العبارة، وأن أدسَّ تحت وسادته بعض أسرار المكابدة، وأشكره كيف علّمنا أن نتقبل الهزائم بروح الفرسان وأن نعشق بهشاشة الأطفال، ونفتح قلبنا للغامض وغير المرئي بثقة الأنبياء.. لكن فضحتني العَبَرات ولم تسعفني العِبارات.. وصرختُ، في غفلة عني، وأنا بصحبة صهري الذي اعتقد أني خرقت قواعد الأدب وحرمة الأموات: “لماذا تركتني على رصيف حقل الأيام مثل وردة مهملة في عز هيجان ربيع العمر؟ هل اعتقدتَ بأنك نبي أكمل رسالته وعليه الرحيل دون ذرية أو أثر نسل؟ ألا تعرف أني سأنتهي إلى ما انتهى إليه الحكيم فرناندو بيسوا في أقسى “لا طمأنينته”، “أني لا أحد، لا أحد على الإطلاق.. لا أحد بدونك؟” ويغمرني ذات الإحساس الذي غمر كولريدج، وهو يصرخ: “وحيد، وحيد.. تماما وحيد، وحيد في بحر عريض، ولا ملاك تأخذه الشفقة على روحي وقت احتضاري”.

وهو السادر في حضرة الغياب، ما كان يمكن أن يُجيب بغير الابتسامة التي تحفر غمازة فاتنة على خذه الأيمن، تُنصب فخاخ التأويل أمام قانصيها، وتراوغ جحافل المتلصّصين ليراوض طيشه بين لحظة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، ويركض بذكراه بعيدا عن عتمة الغيوم وحافة النسيان، ليُرتّق الذاكرة ويُلقي علينا آخر تحية ويتلاشى في زحمة الغياب إلى الأبد.

وحتى حين واريناه التراب، غيّرَ مكان قبره الذي اختلفنا حوله نحن الأحياء، لألاَّ يحس بالعزلة أو الملل. وفيما أعلم، ما زال إخوتي ومعهم ضابط مصلحة الموتى يبحثون عن أثر قبره حتى اليوم ليبنوا عليه شاهدة تليق بحضوره.. ووحدي ظللتُ أنطّ ليلا سور مقبرة الشهداء مثل متشرد، أدفن خوفي وأسترشد بنجمة شاردة تقودني إلى مرقده، ونتواعد في لقاءات طويلة حتى بعد منتصف الليل أحيانا.. حيث يأتيني خفية عن عيني “سيربيروس”، نتبادل التحايا ونتقاسم ما تبقى من الليل بالتساوي، نسترجع ذكرياتنا، أوجاعنا وما تساقط من العمر، أخبره عن أحلامي والزهرة التي عشقها وباقي السلالة، ويحكي لي بعض حماقات الطفل الذي كُنته، عن سهوي الكبير في أكثر من مكان، عن عشقي لرؤية النجوم ليلا وأنا ممدد في مراح منزلنا، وكيف كنتُ له أعز نديم في ليالي السفر… يمد يده إلى جيبه، ثم يتذكر أنه هناك بلا جيب، فيمسّد بيده الندية ما تبقى من شعر رأسي مبتسما ويغيب في زحام الموتى بابتسامته التي لم تُصب بزكام الموت.

لماذا أتخيله دوما بين الأطفال في جنّات النعيم؟ هل فقط لأن كل فرع معجب بأصله، أم لأن الحكايات التي تُنسج حوله اليوم لم تتلمس طريقها إلى عثراته، من باب “اذكروا موتاكم بخير”.. لكن هل مات أبي، أم هو محض أنين للغياب؟

لنجرب مرثية أشبه بحلم على جناح فراشة، تسعك وترضى عنها.

محمد بلحسن.. أبانا الذي في السماء.

الأب الحي فينا، صاحب الإشارات، الحاضر دوما

شبيه الأبدية في لحظة فرح..

في التباسات الطريق، فيما لا يُرى، ولا نقدر على وصفه..

أبي الذي في السماء: كم فُتنْتُ وكم أحببْتُ؟

هل أخطأت؟

أبي الذي في السماء:

علمتني أن ليس للعاشق من درب غير خطا المعشوق الموسومة بالمحبة والجمال..

وها أنا وحدي يصلني صوتك من عتبات قصية، أراك متكئا على راحة صمتك، يشع النور المتقد في عينيك لينير عتمات الساكن فينا، وتنظر إلى حدائق بعيدة لا نبصرها، ترمق جهات لا تدركها مجازات الروح حين تترجل بدون أحذية سوداء.

كم كنتَ متعددا في، وأنت تموت وحيدا في يُتم الأشياء، أموت فيك وتحيا في، لنقيس معا الحدود الفاصلة بين المعنى واللامعنى، تلك جدلية أخرى للحياة والموت حين تتجاوران، هل كان موتك ضروريا لأقيس حجم الحياة في الموت وامتدادات الروح في جسد معتقل بأحجية اللوح المحفوظ وقيود الوصايا العشر.

الآن فقط، أحتاج إلى أن تعيش فيّ أكثر، تتمطّى كغيمة تُسند الأفق وتمنح العشب حقه في الهواء والضوء، لعلني أجد مرثية تنقاد مذهولة نحو تخومك الجليلة، طويلا سيفكر الموتى فيما اقترفوه ليصدقوا الشرائع ويكذبوا الحياة، سوى عصيانك الذي وضع كل شيء بمقدار.

لقد عشقْتَ الحياة ما استطعتَ إليها سبيلا.. حبوْتَ، لهوتَ، لعبت، عبثتَ، امتلأتَ، احترْقْتَ.. دجّنتَ مساءات بعيدة بدون قمر، راودت الأحزان عن نفسها، وقُدّ قميصك من قُبل حينا ومن دُبر أحايين كثيرة، لكن كيدها كان عظيما، ووحدك هَمّت بك الموت فهممْتَ بها في أكثر من مكان وفي أجلّ الأوقات، لكن كنت وحدك تقول لها: “هيت لك وما عادك”. وظللتَ كل مرة تتوب للحياة لأن مكر الموت عظيم، كنت تتقبل الموت مثل جولة ملاكمة في حلبة الحياة حتى صعدت البرزخ مثل ريح طيبة.

أبي أيها الشامخ الودود، فيك أعدتُ ترتيب سلالتي، لأنك وحدك علّمتني أن لا معنى للقرابة والدم في تناسل الألفة.. كيف أستطيع اليوم استيعاب دخولك في الغياب؟

يطمئنني صهرنا بنبل قائلا: “إنك متّ الآن فقط لأنك شبعْتَ من الدنيا”، وأقول: إنك وُوريتَ التراب عنا ودخلت في الغياب لأنه لم يعد هناك ما تكتشفه في ذاتك، فينا وفي العالم الذي ضاق بين عينيك على شساعته.. كما لو أنك كنت تبحث بعطش عن شيء نادر لم تجده بيننا، فتلاشيت مثل النور هناك في الألق الأبدي للكمال.

غبْتَ ولم تترك وراءك غير وصاياك وقيودك التي بصقْتَ عليها وتواريْتَ بعيدا عن الأرض الخراب، هناك حيث تنهار الفروق الدقيقة بين الحقيقة والحلم، الغموض والوضوح، البهجة والتعاسة.. كذب الأطباء ولو صدقوا، لأنهم قالوا إنك رحلْتَ، لأنهم يقيسون دوما معنى الحياة بنبض القلب المرصود على الشاشة، وأقول إنك فتحتَ نافذة للغياب لأنك أحسستَ بأنك تحيا فينا، وأن المعنى لم يعد في التفاصيل الصغيرة..

هل تذكر حادثة سير قنطرة “مكرن” بالقرب من القنيطرة، في ذاك المنعطف الملتبس الذي غيّر مجرى حياتنا كليا، لامسنا الموت في خطوطها الكهربائية العارية والعالية الضغط، وحين صرخنا بأسماء بعضنا وقد انقلبت الشاحنة قرب نهر سبو.. ابتسمْتَ وأخذت تقشر ليمونة الحياة وتقسمها بيننا بالتساوي.

لقد عشتَ استثنائيا، ومُتَّ ميتة النبلاء.. ظللت مثل طفل يركض نحو ما لا نراه، كمن يريد أن يقشر رمّانة الغيب ويترك حباتها رائدا لنا كي لا نضيع الطريق إلى المرافئ الهاربة من ظلنا.. أرى في رحيلك، كيف تضاءل جسدك إلى الحد الذي كان يجب أن تُوضع في المهد لا أن تُوارى في اللحد، ظل بريق عصي عن الوصف يُشعُّ من عينيك حتى اللحظات الأخيرة، كان ظلك يكبر مثل هواجسي بجلال الغيم، وظللتَ تُخفي عنا الانكسارات الموجعة خوفا من تشظّي شجرة النسل.

أيها الصاحب الصديق الذي آخى شرائط الحزن ومسالك الهباء.. لم يُنصفك الزمان حتى عندما استوينا، والآن كيف نستوعب دخولك في الغياب؟ هل أستطيع الآن فقط إعادة ترتيب علاقتي بك خارج لعنة شجرة الأنساب؟

أتذكر يوم أحسسْتَ بأنني أتعلم الأبجديات الأولى للسياسة على معنى ذلك الزمن الحارق، اقتربتَ مني للدرجة التي لا تُزعج أحلامي، وقلت لي: “لقد حلمت بأن رأسك قد شبّت فيه النيران وأنا قمت بإطفائها”، كانت تلك طريقتك في سياسة الخواطر، لأنك حدست بقوة، الحدود الفاصلة بين المعنى واللامعنى، وليس رحيلك اليوم سوى وضع اللامعنى في قلب المعنى لكي يستقيم.

لم يكد يمضي شهر على رثاء أخي هشام الذي أورثني هباء الأرق ولعنة الصحو المليء بالعويل.. وها أنت اليوم تعلمني كيف أقيس المسافة بين الحضور والغياب بمقاسات خارج الزمن.. وحدها أحلامك/ أحلامي من الصلب والترائب استوعبَتْ معنى الغياب، حين قاست حزنها بموتك بحرمانها من فرحها، قالت بأنين: “من سيأتي لي بقطعة الحلوى؟”

تلك طريقتك في جعل العالم مثل حبّة تين طازجة حين لا تدركه أيدينا في حينه، فيسقط بالقرب منا مثل هَرِم أصابه تعب الحياة.

كان أيوب الشامخ أشبه بزهرة برية، يحاول أن يشم رائحتك في الصورة المعلقة على الجدار، أحسستُ أنك غمزته بطرف عينك اليمنى وابتسمتَ له من أعلى قمة الإطار، أسندتَ راحة يديك على كتفه ونزلتَ ثم ذبت مثل قطعة سكر في فمه، لقد حفظتُ مراوغاتك في تذويب المسافة بين الخيال والواقع، لذلك ظل غير مصدق بأنك رحلتَ، حتى وهو يراك مسجّى هناك وسط الغرفة.. أما تلك الوصال الغضّة المبتهجة بأنوثتها التي ظلت تائهة بين ابتسامتك المشعة وهي تراك الآن بعينين مغمضتين، فقد ظلتْ تلامس ابتسامتك المنحدرة مثل شلال في غفلة عنا، نحن الكبار، وتضحك مثل وردة نرجس.

عشْتَ ومُت يتيما إلا من حبك.. كان قلبك أوسع من العالم وأضيق من ثقب إبرة، لكنه خانك في منتصف الطريق إلى شهد الكينونة.. في صوتك الأخير، ظلت الاستعارات تبدو كما لو أنها عصية عن التأويل، وحين لامستُ أطرافك الباردة اتّقدت أصابعي بوهج حارق.. كانت رموش عينيك مثبتة على شموس سرية، لكنك ابتسمت وأبعدتَ يدي عن جسدك، كمن لا يريد أن يلمس انهياره أحد.

لك أن تقبض على الجمر وترحل بلا أثر خطيئة، تطأ التراب خفافا مثل رذاذ المطر خلف أسوار المدينة المعتقة، وحيدا والبحر، لماذا خذلتنا هكذا ورحلت لتُخصب حقولا أخرى، كفارس لا يجلس مع جنوده لاقتسام حصته من الغنائم بعد كل انتصار، ويتشوق إلى المعارك القادمة.. انتعلت موتك ورحلت إلى إقامة دائمة تقيم من خلالها الدليل على أننا لا نرحل، نعم.. ولكننا فقط نغير مواقعنا واتجاهات بوصلة الرحيل، كما سحابة تَعد حقولا متعددة بالمطر، أو شمسا لا تبخل بنورها على أنفاق بعيدة لا ينبت في عتمتها الأمل.

لك أن تعبث قليلا بما تبقى من هواء في فمي، أو تعلو.. لعلك تغطي وهج الشمس، أو تمتد فيّ لأقيس بقامتي حجم الخسارات التي صادفتني.. لك أن تحكي عن لهب نار السياسة التي رأيتها تشتعل في رأسي، أو توقد سيجارتك، كما كنت تفعل في سفرنا ليلا، لأرى العالم فيك، ومن خلالك عبر ضوء لفافة التبغ.. ها نحن نقف في مفترق طرق الأزمنة حيارى لبرهة، ثم تذهب نحو عمق الحياة بتفاؤل العشاق فيما يجرفني زبد الوقت ميتا من السأم.

أعرف أن لا مجال للسهو أمام الموت، الذي كنت تحدق فيه كمن لا يروم النوم خفافا.. هل أنت من أوحيتَ ألا شاهدة على قبرك، تقودنا نحو الدروب إليك، إلا ما تراكم من وجع يقودنا بمحبة إلى خطاك، كيف ظللت ترسم في كل محطة خيط وردة.. ولم تجبرنا أن نحتفي بأثر يدلنا عليك، إلا ما رسمته هذه الأخت الحكيمة.. التي عرفَت أين يجب أن نضع الخطو، خارج كل قبر لا يقود نحو القلب، وعاضدَتْها اللواتي حملننا، أو تحمّلن حماقاتنا إليك.

يا أيها الغائب الحاضر فينا.. قدنا إلى خطاك لنتعلم كيف نحتفي بالحضور في الغياب، أو نمشي قليلا في هشاشاتنا لنرسم آثارك. إني حيث تركْتَني.. عاشقا، عابثا، مفلسا، على خطاك أسير.. حيث يمر السنونو ينبت الربيع، ها أنا الآن أفتقد بدرك في ليلة ظلماء. والذي يحملني إليك كسيح، وهذا الهباء يمتد خادعا كما الدنيا، يحضرك إلي: ذاكرة وانتشاء في الغياب.. ولكن لا يقودني إليك.

أبي، نم في عتمات اللحود لعلي أتعلم كيف أتنسم الهواء الموجع دون أن أغرق في الحنين، لأشيد لنفسي جنازة تليق بي وأنا أستسلم لحروف الأنين، إني أنتظرك في نفس الموعد الذي آخيت فيه عشقي للزهرة التي أسندتْ هاويتي، وعلّمتْني كيف يجب أن نُسند انكساراتنا على حائط النسيان. سأنتظرك في نفس المكان حيث تركتني وصدى ظلك.. أبي، نم مطمئنا، حتى ولو وارتك شجرة الغياب، فلن أترك الدود يأكل أحلامك، ولا أن يعبث بالطين الذي صنعته يداك، فلا يحجب الغيمُ مرحَ القمر المتألق.. فصبر جميل.