روتيني “السياسي” للكاتب عزيز لعويسي
- بقلم : عزيز لعويــسي
في الوقت الذي يخوض فيه المغرب معارك دبلوماسية حامية الوطيس ضد أعداء وخصوم الوطن، وفي ظل ما تحقق ويتحقق من مكاسب اقتصادية وتنموية ومن إشعاع إقليمي ودولي داعم للوحدة الترابية للمملكة، يصر بعض السياسيين على التغريد خارج السرب، عبر الإصرار على إنتاج خطاب سياسي فاقد لأدنى شروط المسؤولية والالتزام والاحترام، لا يمكن فصله عما بات يعتري العالم الافتراضي من مشاهد اللغط والجدل والتشهير والتهكم والقصف والقصف المضاد، ولايمكن عزله عما بات يعرف افتراضيا بموضة “روتيني اليومي” الذي بات معبرا وحيدا لصناع الإثارة والعبث ومنتجي التفاهة والسخافة، ممن يجيد “شطحة” التسول ورقصة الاسترزاق. خطاب سياسي وبدل الإسهام في الارتقاء بمستوى اللغة والأسلوب والذوق السياسي، وإعادة الثقة المفقودة في السياسيين وإعطاء معنى للسياسة، نزل وربما إلى مستوى غير مسبوق من العبث السياسي والانحطاط القيمي والأخلاقي، في ظل معارك سياسية عصية على الفهم والإدراك، باتت تسخر فيها مفردات قذرة فاقدة لحس المسؤولية والالتزام، من قبيل “الحمار” و”الحمير” و “الذيب الشارف” و”الميكروب” وما خفي كان أعظم، بكل ما لهذا “الروتين السياسي” من مساس بحرمة المؤسسات الدستورية ومن تبخيس للعمل السياسي، بل ومن تأثير على صورة البلد في محيطه الإقليمي والدولي، ومن تعميق لبؤرة النفـور من السياسة. ما جرى بين رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة السابق من قصف ثقيل وصل إلى حد السب والقدف والتشهير والتحقير، وإن كان يشكل انفلاتا سياسيا وانحرافا أخلاقيا وقيميا، فهو في ذات الآن، مرآة عاكسة لما وصل إليه المشهد السياسي من مظاهر العبث والتواضع والهوان، وهذا معناه أننا نعيش أزمة “نخب سياسية” لم تعد تتملك ما يقتضيه العمل السياسي من ضوابط “المسؤولية” و”الالتزام” و”الاتزان” و”الاحترام” و”نكران الذات”، وما يفرضه السياق الجيوسياسي من تعقل وحكمة وتبصر وانضباط، ولم تتوقف ناعورة العبث والتواضع عند عتبات توجيه سهام السب والقدف والتحقير والتشهير نحو الخصوم السياسيين، بل وامتدت عجلاتها نحو نشر الغسيل “المسكوت عنه” أمام الملأ. إذا كان ما يحدث من “روتين سياسي عبثي”، يكشف عن الحقيقة السياسية والحزبية، فهـو في ذات الآن يقوي الإحساس لدى المواطنين والمتتبعين، بوجود مغرب يسير بسرعة البراق، تحضر تفاصيله فيما تحقق ويتحقق من منجزات اقتصادية وتنموية وأوراش كبــرى، ونجاحات دبلوماسية وشراكات وازنة وإشعــاع لافت للنظر إقليميا ودوليا، ومغرب آخر يمشي بسرعة السلحفاة، يقوي الإحساس بالحسرة والرفض والسخط واليأس والإحباط وانسداد الأفق، وهذه السرعة السلحفاتية لايمكن إلا رفضها جملة وتفصيلا، والتنديد بمن يصر على تكريسها والتطبيع معها بانعدام مسؤولية و”قلة حياء”.إذا كنا نتفق اليوم أن “مغرب اليوم لم يعد كمغرب الأمس”، فهذا المغرب الجديد الذي يقوي الإحساس بالفخر والاعتزاز، يحتاج إلى نخب سياسية مسؤولة، تتحلى بقيم الوطنية الحقة، وما يدور في فلكها من تضحية ووفاء وإخلاص ونكران للذات، تحترم المواطن بسلوكها الرصين وتقدر الوطن بخدمتها للصالح العام بدون جدل أو لغط، وبتنافسها الشريف والنزيه لخدمة المواطنين والاستجابة إلى ما يتطلعون إليه من تنمية ورخـاء وازدهار، يحتاج إلى رجالات دولة بارزين يضبطون إيقاعات السياسة، ويتصدون بحزم لصناع العبث ومنتجي “أفلام كارتون” الروتين السياسي، ويواكبون بجدية ومسؤولية ونزاهة، مسيرة البناء والنماء التي يقودها الملك محمد السادس باقتدار وتبصر، ويتنافسون بشرف إسهاما في إشعاع الوطن ورقيه وبهائه. على أمل أن ننام ونصحو على مشهد سياسي تغيب فيه “قلة الحياء” بكل ألوانها وتمظهراتها، ويغيب فيه “العبث” بكل أشكاله، فمن غير المعقول، أن يتم إهدار الزمن واستنزاف القدرات للسب والتحقير والتشهير والقصف والهجوم وتصفية الحسابات ما ظهر منها وما بطن، بدل الإصغاء إلى نبض الشعب والاستجابة إلى ما يتطلع إليه المواطنات والمواطنون من تعليم وصحة وسكن وشغل ومساواة وعدالة اجتماعية، ومن المخجل جدا، أن يتم التمادي في إنتاج خطاب العبث والتواضع والهوان، دون اعتبار للمعارك الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية التي تقودها الدولة، حرصا على وحدة الأرض وسيادة التراب، ودون تقدير تداعيات هذا الخطاب العبثي على ما بات يحظى به المغرب من تأثير إقليمي وإشعاع دولي .. فاتقوا الله معشر السياسيين في وطنكم، فبعبثكم ولغطكم ومعاركهم “الكرتونية”، تمنحون فرصا لأعداء الوطن .. فاتركوا لغة الحمير والبغال والذئاب والميكروبات رجاء، وتنافسوا بشرف لبناء مغرب الأمل والبناء والنماء والوحدة والتضامن والعدالة والإنصاف…