شباب الغد من المذلة إلى الموت..للكاتب مصطفى فاكر
وقع منار اليوم الاربعاء 26 مايو 2021.مصطفى فاكر. في العقود السالفة زمان الثمانينات و التسعبنات، كنا ندخل صالات السينما و نتهافت عليها، و كانت لنا فيها و معها ذكريات لا تنسى، ذكريات ستبقى محفورة في ذاكرتنا بحلوها و مرها و نحملها معنا إلى اللقطة الأخيرة.. المشهد الأخير في حياتنا ألا وهو الموت، و الموت واحد مهما تعددت الأسباب.كنا نتردد دائما على قاعات السينما، نجلس على كراسي خشبية منصوبة الواحد تلو الآخر، نتزاحم، نتدافع، نتعارك و نتصبب عرقا للحصول على تذكرة الدخول. صيفا لا نتنفس إلا رائحة إبطي من بجانبك و العملية معكوسة على الجميع، وفي الشتاء نتزاحم أكثر حتى نصير كالجسد الواحد لنشعر بالدفء و نقاوم البرودة و لا حديث، الكل منشغل بنهاية الفيلم |
صالات السينما هاته كنا ندفع درهما أو درهمين مقابل التفرج على فيلم عجيب في جهاز فيديو كاسيط (سيدزمانه) ،كل مرة تتقطع الصورة فيه و يتوقف الفيلَم و يضطر صاحب السينما إلى إرجاع الشريط(السينتا) من البداية، فيعلو الصفير و الصراخ والسباب، أفلام هندية، صينية أو أمريكية حيث كانت المنافسة على الإنتاج السينمائي قوية.
كنت أتفرج رفقة البقية في الترجمة لأنني لم أكن أفهم اللغات الأجنبية حينها، بل و كان من لا يقرأ يعتمد على الحركات أو يترجَم له أحد معتكفي السينما الشعبية، كنت أقرأ في عدد كبير من المشاهد الدرامية المؤثرة عبارة :أطلق على رصاصة الرحمة، و نرى الممثل أو الممثلة في مشهد مثير يتعرض للقسوةو التعذيب يطلب رصاصة الرحمة، ما يوحي إليك أنه يهرب للموت ليرتاح من العذاب المتكرر أو الموت المتكرر كل لحظة إن صح التعبير.
عادت بي الذاكرة اليوم لأتذكر تلك المشاهد في أحيائنا الشعبية و ليست في دور السينما و أفهم المقصود(برصاصة الرحمة) بعدما أصبحت أرى المواطنين يهربون من المذلة إلى الموت بحثا عن رحمة الموت الأبدي.
هل تستطيع الدولة المغربية أن تجيبنا عن حالات الفرار الجماعي من المغرب و أسميها فرارا لأنه لو فتحت الحدود. المعابر لرأيت الشيوخ قبل الشباب يغادرون و ستجد النساء قبل الرجال يهربون و الأطفال قبل الشباب يهرولون خوفا من إعادة الإغلاق من جديد…
شباب المستقبل لم يعد يهرب فرادى في الباخرات و مقصورات الشاحنات، اليوم يهرب الشباب جماعات عبر الحدود البحرية معرضين حياتهم للموت و نسبة النجاح تقدر ب1٪ و مع ذلك يوثرون الموج على أن يبقوا في وطنهم.
شباب الغد يهرب من المذلة إلى الموت لينجو من الموت كل يوم، شباب يرى في البحر و ما وراءه الخلاص الوحيد من مذلة البطالة و التهميش و الإقصاء و لربما مواقع التواصل الإجتماعي من (فايسبوك و انستغرام و الواتساب و اليوتوب) التي نشرت صورة شاب مغربي وهو يقبل حذاء الحرس الإسباني و يذرف الدموع ويتكلم بلغة فرنسية متعثرة مخاطباإياهم :(عافاكم ما بغيتش نرجع للمغرب, je veux travailler a Espania) هي أكبر دليل على عمق الأزمة و دليل صارخ على الإهانة و المهانة و السخط الذي يحس به هؤلاء الشباب في بلدهم الأصلي و يتمنون الإرتماء في أفواه القرش و الغرق في البحر على أن يعودوا للمغرب.
وهنا وجب طرح السؤال الآتي: هل فعلا شباب المغرب كسول و متواكل على نفقة غيره، يحب الترف و البذخ والمخدرات كما يدعيه البعض، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ و من الذى أوصل هذا الشباب إلى اليأس و القنوط و تناول المخدرات؟ أليست سياستكم البلهاء و العوجاء و تقسيمكم اللاعادل للثروات ؟
إن ما شاهدته بعيني و ما شاهده ملايين المغاربة داخل و خارج أرض الوطن، بل ما شاهده سكان العالم، شباب يتعرض للتنكيل و الضرب من طرف القواد و رجال القوات المساعدة و أعوان السلطة، شباب تسلب منهم بضاعتهم و سلعهم و تجارتهم الصغيرة التي يسعون من خلالها تدبير قوت أسرهم و أطفالهم، شاهدنا شبابا تؤخذ منهم سلعهم بالقوة بحجة استغلال الملك العمومي.
لماذا لم تكلف الدولة نفسها عناء تقفي أثر من تراموا على أراضي الدولةو الأحباس و من استولوا على أراضي الجموع، و من صدرت في حقهم أحكاما قطعية و لم تنفذ؟ أيهما أكثر وقاحة و خسة: من يحوز لنفسه أراضي من أملاك الدولة ب7دراهم للمترأو أقل، أم من يمشي بعربة في الشارع العام يسترزق الله و يعيل أسرته؟
و الحقيقة أن بعض هؤلاء القواد و من على شاكلتهم يسرقون تلك البضائع و السلع و يوزعونها فيما بينهم حسب ادعاء ذاك الرجل الذي ظهر بوجه مكشوف في شريط فيديو يطلب من القائد وصل تسليم سلعته المحجوزة لدار البر و الإحسان( الخيرية).
رأينا الهراوات و العصي تنهال فوق رؤوس هؤلاء الشباب الباكين على أرزاق أطفالهم و أمهاتهم في الشهر الفضيل، رأينا صفعات توجه بأكف خالية من الرحمة إلى وجوه هؤلاء الفقراء، رأينا الركل و الرفس و التنكيل بشبابنا دعامة المستقبل.
و في الأخير و بعدما سدت جميع المنافذ و غلقت الأبواب و ضاقت بهم السبل يأتي مسؤول يركب سيارة الدولة، و تؤدي له الدولة ثمن فواتير الكهرباء والماء، و يتمتع بالسكن الوظيفي و حتى ربطة عنقه و زينة مطبخه على حساب الدولة من دافعي الضرائب الفقراء و البسطاء، يأتي هذا المسؤول ويتهم هؤلاء الشباب بالكسل و الفشل و التحامل على الوطن، بل تصل به الوقاحة أحيانا في توجيه اتهامات لهم بأن أيادي خارجية هي التي تحركهم ضد الوطن…
يا ترى من الكسول و المخادع؟
الشباب الذي يستيقظ في الثالثة أو الرابعة صباحا و يترجل إلى سوق الجملة يبادر. يتوكل على الله و رزقه ورزق أبناءه و أسرته على الله، أم المسؤول الذي يأتي أو لا يأتي إلى مكتبه حتى تطلع الشمس في كبد السماء ليوقع على قرارات ووثائق لم يقرأها، بل أنجزها موظفون يتقاضون أجورا زهيدة؟ أم المسؤول الذي يتحرش بموظفاته. يختار منهن من تؤنس لياليه؟
أي منهما مخادع و كسول : الشاب الكادح أم المسؤول الفاسد؟؟؟
بقلم :فاكر مصطفى الشماعية