أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » شهادة البكالوريا .. عهد جديد..للكاتب عزيز لعويسي

شهادة البكالوريا .. عهد جديد..للكاتب عزيز لعويسي

بقلم : عزيز لعويسي                                                                                                                          تنطلق اختبارات الدورة العادية  للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا  برسم دورة 2023، أيـام 6-7-8  يونيو 2023، بالنسبة للقطب العلمي والتقني والمهني “متمدرسين” و”أحرار”، ويومي 9 و10 يونيو 2023 بالنسبة لقطب الآداب والتعليم الأصيل “متمدرسين” و”أحرار”، وما يميـز هذه الدورة عن سابقاتها، أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة،  تعتـزم “إدخال  تكنولوجية رقمية جديدة لإنتاج وتدبير شواهد البكالوريا وبيانات النقط الخاصة بالناجحين في امتحانات البكالوريا  ابتداء من دورة 2023″، وتهدف هذه العملية وفق ما ورد في بلاغ صحفي سابق، إلى “الرفع من مستوى تأمين شهادة البكالوريا وبيانات  النقط، عبر إنتاج شهادات مؤمنة، مـع تقليص المدة الزمنية الفاصلة  بين الإعلان عن النتائج الخاصة بامتحانات البكالوريا، وتسليم الشواهد الخاصة بالناجحات والناجحين”، فضلا عن “توفير مجموعة من الخدمات الرقمية المصاحبة للاستعمال المؤمن  للشواهد”؛

 

وبقدر ما نثمـن هذا التغيير، الذي يأتي في سياق  تنزيل  خارطة الطريق 2022-2026، وصياغة مقتضيات النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ مطلع  شهر شتنبر المقبل، بقدر ما  نرى  أن  تأمين البكالوريا، يتجاوز  حدود  التوقيع الإلكتروني، أو ما ستتيحه الشهادة الجديدة من خدمات رقمية غير مسبوقة بالنسبة للتلاميذ، ولابد أن  تتسع دائرته، لتستوعب المرور إلى إحداث تغيير شامل لنظام البكالوريا، استحضارا لما يعتري النظام القائم، من مظاهر النمطية والتواضع  والمحدودية، واستئناسا بما هو معمول به في عدد من الأنظمة التعليمية المقارنة، المعتمدة في عدد من البلدان المتقدمة، بشكل يحرر هذه الشهادة من مخالب “الحفظ” و”التخزين” وما يرتبط بهما من “كم” قاتل، حول  موسم البكالوريا إلى  “جحيم” بالنسبة للتلاميذ الذين يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام  امتحان “وطني” أو “جهوي” ، اجتيازه، يقتضي مواجهة  “جيش عرمرم” من المعارف، وإلى مسلسل طويل من القلق والتوجس والضغط، بالنسبة للأساتذة، خاصة المعنيين بتدريس المستويات الإشهادية، الذين يدخلون نهاية كل موسم دراسي، في سباق ضد الساعة، من أجل استكمال آخر حلقات مقررات دراسية “مارطونية”، لا تكرس إلا الرتابة والنمطية والمتاعب والمحن والمشاق؛

 

إذا كانت العبرة بالخواتم، فيكفي النظر إلى ما بات يحيط باستحقاقات البكالوريا بشقيها الوطني والجهوي وباقي الامتحانات الإشهادية، من طقوس الغش، ما ظهر منها وما بطن، إلى حد أن هذا الغش لم يعد يشكل “الاستثناء”، في ظل  مجتمع، يعاني أزمة قيم وأخلاق،  تحول معه “الغش” إلى ما يشبه “الحق المشروع”، الذي يكون في حالات كثيرة “مباركا” بل و”مدعما” من طرف “بعض” الآباء والأمهات، والأستاذ/المراقب، يتحول بالنسبة للغشاشين، إلى ما يشبه “العدو” أو “الظالم” أو “المسموم”، وغير ذلك من التوصيفات، التي حولت إجراء المراقبة/الحراسة، إلى جحيم موسمي، يضطر نساء ورجال التعليم إلى التكيف مع طقوسه المقلقة، نهاية كل موسم دراسي، في غياب شروط الحماية والتحفيز؛

 

ومهما أسهبنا في توصيف هذا الواقع فلن نجد أكثر من مشاهد  “بعض” التلاميذ المترشحين، الذين تبدو على محياهم  – أثناء اجتياز مواد الامتحان -، علامات الفشل والعجز والتواكل والاستسلام، وعيونهم تتراقص في جميع الاتجاهات، بحثا عن “المنجد” والمنقذ”، كما لن نجد أبلغ من صور مترشحين، لا يجدون حرجا أو حياء، في الإدلاء بتصريحات أمام عدسات الكاميرا، مباشرة بعد مغادرتهم لمراكز الامتحان،  يـنـددون  فيها بتشديد الحراسة عليهم،  بل ولا يتردد البعض منهم في استعراض ما يتحوز به  من وسائل وتقنيات غش، في مشاهد مثيرة للقلق،  تعطي الانطباع أن الأمر يتعلق بمعركة حامية الوطيس، وليس باستحقاقات وطنية أو جهوية، يفترض أن تجرى في أجواء تربوية، تتوفر فيها شروط “المسؤولية” و”المساواة” و”التكافؤ” و”الإنصاف”، والمثير للاستغراب، أن “بعض”  الآبـاء والأمهـات،  يسايرون أهواء أبنائهم، ليس فقط، في التنديـد بكل ما يحيط بهذه الاستحقاقات، من  صرامة  وحزم وتشديد، بل والحرص على تمكينهم، بما يتطلبه فعل الغش، من وسائل وإمكانيات، بدل تربيتهم على “الثقة” و”تقدير الذات” و”المسؤولية” و”الاعتماد على النفس”…

 

وحتى لا نختزل أزمة نظام البكالوريا في معضلة الغش، الذي تمدد نحو المباريات المهنية ومباريات التوظيف والامتحانات الجامعية ومباريات الولوج إلى المدارس والمعاهد العليا، نرى حسب تقديرنا، أن هذا الغش المستشري، ما هو  إلا  “علامة دالة” على منظومة تعليمية مصابة  بالكثير من العلل، لن تهـب عليها بعد، رياح الإصلاح  والتغيير، التي بشر ت بها  المشاريع المرتبطة بالقانون الإطار، ووعدت بها خارطة الطريق؛

 

وفي هذا الإطار، واستحضارا لما تعيشه المدرسة العمومية من  دينامية إصلاحية متعددة الزوايا،  بات من الضروري،  التحرك في  اتجاه  إحداث تغيير شامل لنظام البكالوريا، وإرساء نظام عصري  يتأسس على أطر مرجعية، تحرر ذاكرة  المترشحين من حرس “الحفظ” و”الشحن” و”التخزين”، وتتيح أمامهم مساحات رحبة، للتفكير والنقد والتأمل وإبداء المواقف  والتعبير عن الرأي، والإبداع والخلق والابتكار، وهذا التغيير أو “العهد الجديد للبكالوريا”، لا يمكن البتة، كسب رهانه،  بمعزل عن  إصلاح شمولي للمنظومة التعليمية الوطنية، يراعي تجويد بنيات الاستقبال، وتوفير الوسائل الديدكتيكية اللازمة، والحد من  معضلة الاكتظاظ الذي  تتواضع معه التعلمات،  وإعادة النظر في المناهج والبرامج الدراسية الغارقة في أوحال “الكم”، وزحزحة قارة  الأطر المرجعية للامتحانات والانفتاح  على  أنماط عصرية للتدريس، مع  تملك رؤية متبصرة للإصلاح، تستحضر  الصلات الوثيقة بين التعليم و”المواطنة” و”القيم” و”الأخلاق” و”الجودة” و”الإنصاف” و”التنمية”، و”الابتكار” و”الإبداع” و”الرقمنة” و”الريادة” و”الذكاء الاصطناعي”، و”المتغيرات الوطنية والدولية” و”حاجيات سوق الشغل” و”المهن” و”الكفاءات” وغيرها؛

 

كما تستحضر النهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية والتحفيزية لنساء ورجال التعليم، الذيــن  يسهرون على تدبير مختلف المحطات المرتبطة بالامتحانات الإشهادية وعلى رأسها “الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا”، سواء تعلق الأمر بالإعداد القبلي، أو بالإشراف على سيرها، أو بمراقبتها/حراستها وتصحيحها ومسكها، ويتحملون بمستويات ودرجات مختلفة، مسؤولية تنزيــل  وإنجـاح مختلف المشاريع والخطط الإصلاحية، ونرى أن اللحظة الإصلاحية، تقتضي إرساء  منظومة عصرية للتعويضات، مواكبة لمختلف الامتحانات بالمستويات الثلاث، قوامها “العدل” و”الإنصاف”، ليس فقط من باب “دمقرطة” الاستفادة من التعويضات بين مكونات الأسرة التعليمية، بل ومن أجل خلق مناخ تحفيزي ملائم وناجع،  يجعل نساء ورجال التعليم يقدمون على هذه الاستحقاقات، وعلى مختلف الأوراش الإصلاحية، بما يلزم من “الجاهزية” و”الاستعداد” و”الرضى” و”الأريحية”،  ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، يبقى مدخل الإصلاح، هو  تمكين الشغيلة التعليمية من نظام أساسي “عادل” و”منصف” و”محفز” و”موحد”، يقطع مع  مشاهد الاحتقان وصور اليأس والإحباط وانسداد الأفق في أوساط “شغيلة”، لايمكن أن يستقيم عمود “خيمة الإصلاح”، إلا بها ومعها؛

 

ونختم المقال، بأن ننوه بمجهودات نساء ورجال التعليم الساهرين على تدبير مختلف المحطات المرتبطة باستحقاق البكالوريا، وباقي الامتحانات الإشهادية، متمنيـن النجاح والتوفيق والسداد، لكل التلاميذ، الذين  استعدوا لهذا الاستحقاق الوطني، بما يلزم من المسؤولية والجدية والمثابرة  والجاهزية …، على أمل أن يكون العهد الجديد لشهادة البكالوريا، مقدمة لإصلاح تعليمي حقيقي، يقطع بشكل لارجعة فيه، مع  إصلاح  “التجارب الفئرانية”، الذي  كرس عبر سنوات، منظومة تعليمية متواضعة، ظل  الاحتقان “عنوانها البارز” …، مع ضرورة التذكير، أن المدرسة العمومية بما وصلت إليه من تراجع، لازالت تحتضن نماذج مشرقة من التلاميذ، على جانب كبير من “التربية” و”الأخلاق” و”الالتزام”، و”الاحترام” و”التقدير” و”المسؤولية” و”المواظبة” و”الانضباط” و”التميز”، وبدون شك، ما كان لنا – كممارسين – أن نعاين هذه النماذج المشرقة في واقع الممارسة، لولا وجود أسر تتحمل مسؤولياتها المواطنة في التربية والتنشئة، وفي هذا الصدد، من الصعب كسب رهانات الإصلاح التعليمي، ما لم تتحمل الأسر مسؤولياتها كاملة في تربية أبنائها وتتبعهم ومواكبتهم، وما لم تتحمل جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، مسؤولياتها المواطنة في تنمية المدرسة العمومية، وإخضاع ما تتصرف فيه من أموال، تحت مجهر الرقابة والافتحاص، في إطار “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وبما أن البكالوريا هي التي تحكمت في إنتاج هذا المقال، نؤكد أن “البكالوريا” ما هي إلا محطة عابرة في مسار دراسي، يقتضي تملك النفس الطويل، والكد والاجتهاد والتفاني، والرغبة الجامحة في الوصول وتحقيق الذات …