أخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » كائنات انتخابية

كائنات انتخابية

 

موقع منار توداي 30 ابريل 2021..
تشكل الإنتخابات المقبلة لسنة 2021 إختبار حقيقي و محطة حاسمة لبناء أسس صرح ديمقراطي قوي و متماسك، باعتبار الديمقراطية الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي و المظهر السياسي للحداثة و حق الأفراد و الجماعات في تقرير مصيرهم و صنع حياتهم و تاريخهم، و هي تندرج كما هو معلوم في سياق إصلاحات دستوري و مؤسساتية هامة و عميقة يعرفها المغرب، ترمي ترسيخ دولة القانون و حقوق الإنسان و إرساء مؤسسات تمثيلية جادة و ذات مصداقية من خلال توفير مناخ سياسي سليم و إطار قانوني فعال و متوازن و متوافق عليه يمكن من تنظيم الحياة الإنتخابية و تأطيرهم و تخليها و تحصينها، من كل ما من شأنه المس بنزاهتها و سلامتها، كذلك الإلتزام الجماعي من طرف الحكومة و الشعب و الأحزاب و الجمعيات و وسائل الإعلام بالقانون و روح المواطنة و التنافس الشريف و جعل مصلحة البلد فوق كل شيء.
لكن، أين نحن اليوم من كل هذا؟ و هل من إشارات قوية أو إرهاصات أولية، تدل على أن يوم الإقتراع سيشكل بالنسبة للمغاربة هذه السنة عرسا انتخابيا و عيدا سياسيا، حيث انتخابات تسودها الشفافية و تتسم بالنزاهة و الحكمة الجيدة، انتخابات تقطع مع الماضي و ممارسات و تحملنا إلى مستقبل أفضل، مستقبل لا تستفحل فيه أشكال جديدة للفعل الديمقراطي و التعبير عن المطالب و الآمال، من خارج المؤسسات، قدلايتحمل مسؤولية تنظيمها وتأطيرهاأي حزب سياسي أو تنظيَم مدني! فمع اقتراب موعد كل استحقاق يتوقف قطار السياسة و تنطلق مكينة الإنتخابات، يتراجع الخطاب السياسي النبيل و المتزن  و تحل محله تصرفات مشينة و سلوكيات مقيتة ، هرج و مرج و فوضى عارمة، نفاق و تزويق و تنميق و تضليل  و وعود كاذبة، يخفت صوت رجالات السياسة الشرفاء، ليعلو فقط صراخ و ضجيج.
كائنات غوغائية، كائنات لم تستوعب على ما يبدو دقة اللحظة و خطورة المرحلة، حصد المقاعد بالنسبة لها غاية تبرر كل وسيلة، كائنات نجدها هي نفسها حتى و إن هرمت دائما في الموعد، عند الإنطلاقة برسم كل استحقاق من دون خجل أو أدنى استحياء مناورة مضللة تخفي مالا تعلن، تردد كلاما و تفعل ضده و تنهي عن سلوك و تأتي مثله، بل أفظع منه، تطلع علينا لتعلن نيتها و رغبتها في عدم الترشح و الإنتداب، لنفاجئ بها في النهاية وقد تربعت  من جديد على رأس اللوائح، متمسكة و مستميتة، تخطب في الناس كذبا و بهتانا أن لو كان الأمر بيدها لما ترشحت، و لكنها إرادة القواعد و حكم الأغلبية الإستجابة لنداء الواجب و الإمتثال للأنظمة و المساطر.
و تعطلت لغة الشرف و المبادئ و الأخلاقيات من جديد و توارت إلى الوراء المرجعيات و الإيديولوجيات، لتبرز في المقابل لغة العائلة و القبيلة و السلطة و النفوذ المالي و المكانة الإعتبارية، وهي بالمناسبة مظاهر سلبية متفشية بقوة في الممارسة السياسية المغربية، و انتصرت خطابات الديماغوجيا و الأحاديث المزدوجة: ديماغوجيا و ازدواجية تبلغ أوجها كلما تعلق الأمر بقضية المرأة، يتحدثون عن كفاءتها و جارتها و أحقية مطالبها و مشروعية نضالاتها، في حين تتم معاكستها و استصغار إنجازاتها و إحتقار مجهوداتها فلا يفسح لها المجال لتتقلد أي مسؤولية تقريرية أو مهمة تنفيذية أو أن تحظى بعضوية في مؤسسات استشارية أو مجالس دستورية.
و حين تفوز هذه الكائنات الإنتخابية و تزف إلى مقعدها و تستقر مكانها و تتوزع بين أغلبية هشة غير طبيعية و لا منسجمة من جهة، و معارضة صورية فلكلورية من جهة أخرى، تتحول تلقائيا و سريعا إلى دمى سياسية متحركة و تستمر في القيام بنفس الأدوار و في خلق نفس الأجواء:الفوضى و الغوغائية و التفاهة و العبثية و الصبياني و البطولات الكرتونية، سب و شتم و قذف و تنابز و تلامز،اتهامات و اتهامات مضادة، أحكام جاهزة و مواقف عدمية تشكيك و تخوين و سوء ظن و دغدغة مشاعر، توظيف للدين و إستغلال للفقر و الحاجة، تهديد بالمقاطعة أو بالإنسحاب و النزول إلى الشارع من جديد أو بالإعتصام و ترديد الشعارات، تلويح بالإستقالة ثم التراجع عنها دون انتقاء سبب أو تحقيق أي مكسب. حرب كلمات هي إذن و سيوف خشبية.