الرئيسية » اخبار » اسماعيل الحلوتي يكتب …الصوت الانتخابي أشد وجعا من الرجم بالحجارة!

اسماعيل الحلوتي يكتب …الصوت الانتخابي أشد وجعا من الرجم بالحجارة!

بقلم اسماعيل الحلوتي

في خضم المشاورات الجارية بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية بخصوص تعديل القوانين الانتخابية، تحضيرا للانتخابات القادمة، وإشراك الولاة والعمال في تنزيل “جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية الترابية”، وفق التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش يوم 29 يوليوز 2025 بمناسبة الذكرى 26 لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، عادت بي الذاكرة فجأة إلى تصريح سابق للقيادي البارز في حزب “الأحرار” ورئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إبان الحملة الانتخابية لعام 2021، عندما قال: “على المواطنين رمينا بالحجارة إذا ما تولى حزبنا مسؤولية قيادة الحكومة، دون أن نكون في مستوى تلبية انتظاراتهم والوفاء بوعودنا الانتخابية…”

لكن سرعان ما أصيب المغاربة بخيبة أمل كبرى وشعروا بالإحباط والخذلان مرة أخرى، إذ بمجرد تصدر حزب “الأحرار” نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، وتولى رئيسه عزيز أخنوش مسؤولية قيادة التحالف الحكومي الثلاثي، حتى أدار ظهره لمن راهنوا على إخراجهم من النفق المظلم الذي حشرتهم فيه حكومتا “البيجيدي” السابقتان بقيادة عبد الإله ابن كيران ثم خلفه سعد الدين العثماني. حيث لم تلبث أسعار المحروقات أن عرفت ارتفاعا قياسيا مقارنة مع السنوات الماضية، وانعكست سلبا على أسعار باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، مما أدى إلى إنهاك القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ناهيك عن تفاقم التفاوتات في مستويات المعيشة والفرص بين مختلف شرائح المجتمع والمناطق الجغرافية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي واستفحال ظاهرة الفساد وسط المنتخبين: برلمانيين ورؤساء مجالس ورؤساء جماعات ومستشارين…

فلا أدل على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وما أصبحت تعيش على وقعه عديد المناطق المغربية من إقصاء وتهميش، أكثر من أنه وقبل أن ينتهي حديث رئيس الحكومة عن إنجازات حكومته “غير المسبوقة” خلال جولاته التواصلية بالأقاليم الجنوبية، حتى انتفضت ساكنة “آيت بوكماز” بنواحي إقليم أزيلال ضد التهميش والإقصاء، بعد أن طفح بها الكيل وفقدت القدرة على المزيد من التحمل بسبب أوضاعها المتأزمة. حيث خرج مئات المواطنين إناثا وذكورا، كبارا وصغارا عن بكرة أبيهم، صباح يوم الأربعاء 9 يوليوز 2025 في مسيرة احتجاجية سلمية حاشدة، واتجهوا سيرا على أقدامهم نحو ولاية جهة بني ملال-خنيفرة، للتعبير عما يعانون من حيف اجتماعي، والمطالبة بفك العزلة عن دواويرهم وحقهم في التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم…

لأجل ذلك وغيره كثير، وكما هي عادة قائد البلاد الملهم الملك محمد السادس، فإنه لم يتأخر في الرد على صرخات الاستنجاد التي ما انفكت تطلقها المناطق المهمشة والقرى النائية، حيث خص لموضوع التنمية حيزا مهما في خطابه السامي السالف الذكر. مستغلا هذه المناسبة للتأكيد من جديد على أنه لن يكون راضيا مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تكن قادرة على الإسهام بشكل ملموس وفعال في تحسين ظروف عيش المواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية وفي كافة المناطق والجهات.

فالعاهل المغربي  لم يفتأ يولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه، ويرفض بشدة أن تكون هناك مناطق تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة وخاصة في العالم القروي، بسبب ضعف البنيات التحتية ونقص حاد في المرافق الأساسية، لعدم توافق مثل هذه المظاهر البئيسة مع تصوره لمغرب اليوم، ولا مع جهوده في اتجاه تعزيز التنمية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية، معلنا عن عدم قبوله لا اليوم ولا غدا بوجود مغرب يسير بسرعتين، وأنه بات ضروريا إحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، داعيا إلى  الانتقال سريعا من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة، لتشمل ثمارها جميع المواطنين في كل المناطق والجهات دون أي تمييز أو إقصاء…

فالكرة اليوم ونحن على بعد بضعة شهور من الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها سنة 2026، في مربع المغاربة وعليهم أن يحسنوا التحكم فيها ودحرجتها في الاتجاه الصحيح. وذلك من خلال المشاركة الكثيفة في الانتخابات القادمة، والتصويت لمن يستحقون تمثيلهم على الوجه الأكمل، لأن الصوت الانتخابي هو أقوى سلاح يمكن بواسطته التصدي للمفسدين وإحداث التغيير الحقيقي المأمول، باعتباره الأشد وجعا من الرجم بالحجارة، كما طلب منهم سابقا رئيس مجلس النواب “التجمعي” رشيد الطالبي العلمي، الذي عليه ورئيس حزبه عزيز أخنوش الذي يبدو واضحا أنه فقد مصداقيته حتى لدى الدوائر العليا قبل نهاية ولايته، أن يستخلصا معا العبرة من الصفعة الشعبية التي تلقاها حزب العدالة والتنمية في انتخابات يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021.

وهنا لا بد لنا من استحضار ما ظل ملك المغرب يردد من دعوات للمواطنين في عديد المناسبات، يحثهم من خلالها إلى ضرورة المشاركة الفعالة والحرة في الانتخابات وحسن اختيار ممثليهم، لإيمانه الشديد بأن المشاركة الشعبية في صنع القرار هي أساس التنمية والاستقرار. إذ طالما أكد على أن التصويت حق وواجب وطني، معتبرا أنه فضلا عن كونه أمانة ثقيلة في أعناقهم، هو كذلك أداة لتغيير طريقة التدبير نحو الأفضل، أو لتكريس الوضع القائم. وما على المواطنين إلا تحكيم ضمائرهم في اختيار الأنسب من المرشحين الأكفاء والنزهاء…