دبلوماسية البيصارة! للكاتب الصحفي اسماعيل الحلوتي
بقلم اسماعيل الحلوتي
لم نكن نعلم من قبل أن للنائب البرلماني الذي يتم اختياره من قبل الناخبين المسجلين بدائرته الانتخابية، بناء على ما يتصف به من استقامة ونزاهة وكفاءة علمية، مهاما أخرى غير تلك المنصوص عليها في الدستور من حيث القدرة على الترافع بفعالية عن أهم القضايا التي تهم البلاد وخاصة ما يشغل بال المواطنات والمواطنين من مشاكل وهموم، والمتمثلة أساسا في التنابز بالألقاب والمزايدات السياسوية وتصفية الحسابات الضيقة مع الخصوم السياسيين، وعديد الممارسات المستفزة للمشاعر وغير المحسوبة العواقب، سواء داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها…
فمن بين أبرز مهام النائب البرلماني الأساسية بصفته عضوا في السلطة التشريعية، أن له الحق في اقتراح القوانين ودراسة مشاريع القوانين المطروحة من قبل الحكومة ومختلف القضايا في لجان برلمانية، والمشاركة في مناقشتها والتصويت عليها، المصادقة أو عدم المصادقة على القانون المالي السنوي، وأن له أيضا دورا رقابيا في تتبع أداء الحكومة وسياستها العامة الداخلية والخارجية، وتوجيه الأسئلة الكتابية والشفوية إلى أعضائها الوزراء…
بيد أن هناك من النواب البرلمانيين من تعوزهم القدرة على ممارسة المهام المنصوص عليها دستوريا بما يلزم من حكمة وتبصر، فيعملون على محاولة إثبات الذات ولفت الأنظار إليهم، من خلال بعض الخرجات الإعلامية المتسرعة ووفق ما تمليه عليهم أمزجتهم من أفعال صبيانية مثيرة للغرابة والسخرية. ويعتبر محمد السيمو العضو البارز بمجلس النواب ضمن فريق حزب التجمع الوطني للأحرار عن الدائرة الانتخابية: العرائش، ورئيس جماعة القصر الكبير، من بين البرلمانيين الأكثر إثارة للجدل، خاصة أنه كان متهما في قضية “اختلاس وتبديد أموال عمومية” إلى جانب موظفين ومقاولين آخرين، مما اضطر معه قاضي التحقيق إلى حجز أمواله وممتلكاته باستثناء راتبه الشهري، قبل أن تعود غرفة جرائم الأموال في استئنافية الرباط للحكم ببراءته ابتدائيا، ورفع التدابير القضائية المتخذة سلفا في حقه والمتهمين معه، في انتظار صدور الحكم الاستئنافي النهائي عن المحكمة الإدارية.
فالبرلماني “السيمو” هو ذات الشخص الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي قبل بضعة أسابيع بتصرفاته الطائشة، مباشرة بعد نهاية الخطاب السامي الذي ألقاه الملك محمد السادس أمام البرلمان بغرفتيه يوم: الجمعة 10 أكتوبر 2025 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية والخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة (2021/2026)، حيث أنه أسرع الخطى لمغادرة قبة البرلمان، واتجه رأسا نحو الساحة الخارجية التي يحتشد فيها عدد من المواطنين ومختلف وسائل الإعلام الوطنية. وللتعبير عن مدى فرحته بمضامين الخطاب، شرع في ترديد مقطع من أغنية شعبية بصوت مرتفع، رافعا يديه إلى السماء وملوحا بقبعته، وهو يقول: “موت موت يا لعدو والملك عندو شعبو”، داعيا الحاضرين إلى التجاوب معه، نكاية في أولئك الذي كانوا ينتظرون إقدام الملك على حل البرلمان، استجابة لمطالب مجموعة من الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و28 سنة، التي أطلقت على نفسها اسم حركة “جيل Z” قبل أن تنقل احتجاجاتها من الفضاء الرقمي إلى الشارع ابتداء من يوم السبت 27 شتنبر 2025.
ولأن السيمو مثله مثل عدد من البرلمانيين الذين لا يتورعون عن إطلاق الكلام على عواهنه في مختلف المواضيع دون مراعاة مستوى حساسيته، فقد أبى هذه المرة إلا أن يتجاوز كل الخطوط الحمراء ويقحم موضوع “الصحراء المغربية” خلال حديثه عن سفير الباراغواي بطريقة فجة وغير لائقة داخل البرلمان، حيث ادعى بكل وقاحة أن اعتراف السفير بمغربية الصحراء، يعود إلى تناوله وجبة “بيصارة” عند حلوله ضيفا عليه في بيته، ولم يقف عند هذا الحد، بل كشف أيضا عن استقباله لعدد كبير من السفراء والقناصلة بمدينة القصر الكبير، وكيف أن أكلة “البيصارة” كان لها دور كبير في تغيير مواقفهم من قضية وحدة المغرب الترابية.
وهو ما أثار موجة من السخط على منصات التواصل الاجتماعي، إذ أنه وبتصريحاته الهوجاء يكون قد نسى أن قضية الصحراء لها خصوصيتها، وأنها من أهم القضايا الوطنية الكبرى التي استنزفت الكثير من الجهد والمال طوال خمسة عقود من المثابرة والمكابدة والصبر والتضحيات الجسام وقدمت عديد الشهداء. ومن غير المقبول اختزال كل تلك المعاناة في “وجبات بيصارة”، بحثا لنفسه عن “البوز” الإعلامي، لأنه لم يعمل بذلك إلا على تبخيس تلك الجهود الدبلوماسية التي قادها الملك محمد السادس بحكمته البليغة ورؤيته المتبصرة، وأدى إلى حصول ذلك الزخم الدولي الهائل من الدعم المتزايد للحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، الذي صدر بخصوصه يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 القرار رقم 2797 لمجلس الأمن الدولي، إثر تصويت 11 دولة لفائدته من أصل 15 دولة وامتناع 3 دول: روسيا والصين وباكستان، فيما لم تشارك الجزائر في التصويت رغم أنها الطرف الرئيسي في الصراع المفتعل.
إن تصريحات البرلماني “السيمو” البئيسة والمستفزة، تشكل فضيحة كبرى بكل المقاييس ولا يمكن السكوت عليها. إذ لا يكفي ذلك التوبيخ الحزبي الصوري لتجاوزها، بقدر ما يستدعي الأمر اتخاذ قرار صارم في حقه، حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه العبث بالقضايا الكبرى للبلاد، ولاسيما أن قضية الصحراء أكبر من أن يتم تبخيسها بهذه الرعونة، فالمغاربة بحاجة إلى مواطنين شرفاء يقدرون مسؤولية تمثيلهم في البرلمان على أحسن وجه، وليس إلى مهرجين لاهم لهم عدا البحث عن شهرة زائفة.
منار اليوم – جريدة شاملة مستقلة





















