“يد الحكاية” مجموعة قصصية يكتبها لمنار اليوم في حلقات القاص والمبدع المغربي ذ/ عبدالجليل لعميري .
موقع منار اليوم 03 مارس 2021.
*مجموعة قصصية:
“يـــــــد الحكــــــــــاية”.
عبد الجليل لعميري.
*(اليد
:الجاه، والوقار، والحجر على من يستحقه، ومنع الظلم، والطريق، والقوة،
والقدرة، والسلطان، والملك(بكسر
الميم)،والجماعة، والأكل، والندم، و الغياب،
والاستسلام، والذل، والنعمة، والاحسان
تصطنعه(…)).
القاموس المحيط
*” الكتابة : سفر و فعل حياة وحب”.
( الياس خوري).
* “القصة سجل حركة و صراع…”.
( جاك م.بيكمان).
*“الحرية
كالشمس لن تجدها في الغرف المغلقة”.
(غسان كنفاني)
الذات الكاتبة
عبد الرحمان الكياكي
لعل المرور الى إصدار كتاب ثان من طرف نفس
الكاتب، قد لا يبدو أمرا صعبا قياسا الى الكتاب
الأول. نظرا لما
راكمه من تجربة في ممارسة فعل الكتابة
أولا، ومعرفته بسبل ومنعرجات النشر ثانيا. من هذا المنطلق يطل علينا الأستاذ عبد الجليل لعميري بمجموعته
القصصية الثانية (يد الحكاية)، التي قد تدفع القارئ الى طرح مجموعة من التساؤلات.
منها ما يتعلق بالحدود الممكنة بين
الكاتب و الواقع؟ بين الكاتب و الحكاية؟ بين الكاتب والنص؟ ومنها ما يتعلق بكون النص الحكائي يعتبر نتاجا لتحولات فكرية واجتماعية وثقافية لمرحلة
معينة، وقد يحمل مؤشرات تخترق البعد الإنساني والسوسيو ثقافي لمستقبل الفكر الأدبي عامة
والقصصي خاصة عبر تشكل مراحل الوعي الثقافي
في بعده النصي.
إن الغرض من طرح هذه الأسئلة هو محاولة
الوقوف على التجربة الثانية للكتابة
القصصية عند الأستاذ عبد الجليل لعميري، من خلال
نصوص “يد الحكاية “.
فاليد في بعدها اللغوي، في لسان العرب،
تؤكد على الارتباط بالعطاء والإحسان،
وذم البخل والمنع. وقد جاءت النصوص القصصية للمجموعة في بعدها الدلالي، مليئة بالعطاءات، بالمفارقات، بالمتناقضات،
وعلى القارئ السفر عبر التموجات الكبرى
لراحة اليد وإتباع المسالك المؤدية الى الأصابع للوقوف على أهدافها و مراميها.
والكاتب يقسم النص الى خمسة فصول،
كل فصل يحمل اسم أصبع من أصابع اليد (الخنصر، البنصر، الوسطى، السبابة، الإبهام)،
لتكتمل يد الحكاية وتتضح تجربة عبد الجليل لعميري القصصية، في بعدها الإنساني
والكوني، وحمله رؤية نقدية للعالم. كما
أنه تفنن في إتقان الشكل الهندسي للمجموعة القصصية. لأنه من وظائف اليد العمل و السعي. يقال عن الشخص الماهر
في إتقان عمله (أصابعه من ذهب ) وهي دلالة على قدرته على الإتقان والتفنن
في الصناعة. تحكمه في ذلك خلفية ثقافية واجتماعية من خلال استثماره للذاكرة
حسب معرفته للكتابة القصصية. وارتباطه بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية للمرحلة.
إنه
يكتب بناء على مرجعية غنية بثرائها التاريخي والثقافي والأنثروبولوجي، ومن موقعه
الداخلي ومعرفته بأحداث البلدة، من خلال
التحري والمعايشة. وبذلك فهو يوثق من خلال كتاباته لجغرافيا وتاريخ المنطقة، وقد
جاءت تجربته القصصية غنية بمعجمها
الدلالي، وبعدها السوسيوثقافي تبعا لهويته
الخاصة.
فعنوان المجموعة (حكاية اليد) يوحي بأكثر من دلالة، فاليد هي جزء من الذات، من الهوية، من التاريخ.
وعليه فان تجربة لعميري الإبداعية تكتسي أهمية بالغة في الكتابة القصصية المغربية
من خلال تفرده بنسقه الخاص الذي يتجدد مع كل نص
إبداعي ضمن مشروعه الحكائي الذي
يشتغل على التنويع في الموضوعات التي تجعل
من الذات والواقع مرجعا لها.
وبما
أن أصابع اليد تختلف من حيث الطول والقدرات الحركية والوظائف، من شخص لآخر فإنها تتيح للكف القيام بمهام
كثيرة كالقدرة على التقاط الأشياء والإمساك بها .
من
هذا المنطلق فان نصوص كل فصل من فصول
الحكاية جاءت مطابقة تقريبا لاسم الأصبع المعنون به الفصل من حيث الطول والوظيفة
السردية بناء على تعريف الكاتب لها .
يبدو ذلك من خلال عناوين الفصول:
(الخنصر) وهي أصغر أصابع اليد، وهي حسب
المؤلف وزيرة المصالحة عند الأطفال حيث جاءت كل نصوص هذا
الفصل صغيرة من حيث الشكل. ومن حيث المضمون، فان تيمة المصالحة تأكدت بين
الفقيه و مريده الصغير، مباشرة بعد حفلة الخيزران . أيضا المصالحة مع أعطاب
الحياة، بمرور الزمن . المصالحة مع ركوب
الذات حين ركوب المغامرة أو تأجيلها. المصالحة مع المكان وإعادة اكتشاف الهوية
والتاريخ لبداية أبو البشرية الذي اكتشف النار والكتابة والزراعة .
وتأتي نصوص ( البنصر)، وهي المتوجة بالخواتم لترسم عالما مختلفا ومتنوعا من خلال رصدها لأسرار الحياة في شكلها اليومي
حسب البنيات السردية لكل نص سردي . ويختم
هذا الفصل بمحنة الكاتب في غياب القارئ.
هذه المحنة التي جعلته يفقد حياته (( موت رومانسي)).
تأتي الوسطى في رمزيتها الدفاع والاندفاع والتصدي، الدفاع عن سبخة زيمة، اندفاع كتيبة الإعدام
التي شكلها المجلس البلدي أو الباشا لقتل الكلاب الضالة. تليها أربعة مشاهد وحكاية
تختلف باختلاف الأمكنة وتتوحد من حيث الرؤية لخلخلة عالم تسكنه الهموم والبلادة
والضياع ومحاربة التفكير العقلاني، الذي
اتهم في زمن الرداءة بالزندقة.
ويختم الكاتب هذا الفصل بمونولوج داخلي (محاكمة
1 ومحاكمة 2)، جسد من خلاله معاناة المبدع
في الانتقال من الكتابة القصصية الى الكتابة الروائية ومفهومه للكتابة القصصية، تلك الصغيرة الرشيقة
التي تنفرد بالتركيز والإيجاز، والرواية تلك البدينة التي حطمت كل الأرقام في
النشر والفوز بالجوائز. وعلى ضوء هذا الحوار الساخن فالكتابة في نظر المؤلف فعل
شاق، ولا يقاس بالطول أو القصر ولكن بالشحنة النفسية والإحساس الصادق والرؤية
الوجودية العميقة.
أما( السبابة) وهي عنوان الفصل الرابع، فأغلب نصوصها، وحسب تعريف الكاتب
لوظيفتها، للإغارة والتهديد، من خلال نص
((غير مرغوب فيه ))، للإشارة والتحديد (حلم مملح)، ( إرهابي في باريس). للتشهيد والتسديد (طيران العدو ). وهلم خسارات
…
الإبهام يرفع الجميع الى السماء أو
يسقطهم الى الأرض . الابتزاز والرشوة يؤدي
الى الإرهاب والبغاء .. صراع القيم والأفكار بين أستاذ ورجل أمن كانا صديقين جمعتهما
مظاهرة للأساتذة. (هراوة الصعلوك)،
(الكابران مرة أخرى )، (ذكرى لها رائحة ). كل هذه النصوص ساهمت في المزج بين تجربة
الاستاذ عبد الجليل الحياتية من خلال
مغامرات عدة وتجربته الادبية من خلال مرجعيته
كأستاذ ومبدع ونقابي مناضل ضمن جمعيات ثقافية وحقوقية عدة . والبقية على
القارئ اكتشاف هذه التجربة . …… قراءة
ماتعة .