أخر الأخبار
الرئيسية » الارشيف » “يد الحكاية “مجموعة قصصية يكتبها لمنار اليوم في حلقات القاص و المبدع المغربي عبدالجليل لعميري..الحلقة الثالثة..

“يد الحكاية “مجموعة قصصية يكتبها لمنار اليوم في حلقات القاص و المبدع المغربي عبدالجليل لعميري..الحلقة الثالثة..

 

 

 

 موقع منار اليوم الاثنين 08 مارس 2021  بقلم ذ/ عبدالجليل لعميري

 

السيد “إيغود”…

        في زيارتي الى مغارة بلدة
(إيغود) ،الموجودة أسفل جبلها الرابض قرب مدخلها من الشمال، كنت أنوي استنشاق عبق
التاريخ البشري…تاريخ ثلاثمائة الف سنة…تعتريني نشوة الفرح بان أمتلك نسبا لجد
عظيم رهن العالم باسمه “انسان إيغود”….او لنقل “رجل
ايغود”؟ولكن لماذا كلمة رجل وليست كلمة إمرأة؟ هل التاريخ ذكوري؟ المهم في
القضية الحكاية بطعم ذكوري مسايرة للسائد…نعم انا الحمري حفيد جدي ايغود…ابو
البشرية جمعاء واقدم انسان عاقل….

   داخل المغارة روائح( أركان) هذا
الشجر المغربي الاصيل …وبرودة بطعم ربيعي حتى و إن كان القيظ جاثما على
الخارج…خرير ماء شبه صامت يتدفق في وديان التاريخ..

   يحكى ان المنطقة كانت
غابوية  بامتياز…أتخيل جدي وأطفاله
وأطفال أبنائه وبناته يتسلقون أشجار الأركان…ولماذا يتسلقون؟ فهم  كانوا أطول منا، عمالقة … كانوا يقفون قرب
شجرة الأركان ويقطفون ثمراتها ليجمعوها في حوش المغارة…ويطاردون طرائد الغزلان
والأرانب والطيور ليتغذوا عليها ….نيئة ام مطبوخة؟

جدي اكتشف  النار والكتابة والزراعة
…انه العاقل فهل تنكرون؟

       *الفصل الثاني:

                       
البنصر.

*(أنا المتوجة بالخواتم، اسألوا عني العرسان).

                                      
*المربعات:

   كان يرسم مربعات
فارغة، منذ أن تعلم رسمها البدائي، و أحيانا يشكلها بالعجين أو الأوراق التي يقصها
بمقصه الصغير نصف البلاستيكي..

  و هو في الإعدادي كان
يشرد خلال الكثير من حصص الدرس، وكثيرا ما كان يوبخه الأساتذة: ( فين راك سارح؟
والو أ أستاذ. انتبه للدرس.. حاضر.. واش هذا التخربيق ؟غير مربعات خاويين…خاويين
بحالك..).

    و حين ينصرف موبخه
يعود الى رسم المربعات نكاية فيه: يملأ بعضها ملونا إياه بالأسود، ويترك أخرى
فارغة ليملأها بياض الصفحة…تميل نفسه إلى هذه الفارغة ..لماذا؟ لا يدري، ربما
لأنها تطل على عالم ما. ثم يعود لرسم المزيد لتتعانق  الألوان: أبيض ،أحمر أسود، أخضر…

  وفي الجامعة، و هو
يتابع دراسته، ظل يرسم مربعاته الفارغة في لحظاته الشاردة لطرد بعض الضيق أو
القلق…و تمكن من الإطلاع على بعض المعارف الجديدة حول دلالات المربع و الفراغ و
البياض والإمتلاء…

 كان يحب اللغات
الأجنبية وعزز ذلك بالتسجيل بقسم الأدب الإنجليزي، وابتلي بشغف القراءة  والبحث عن أخبار الفن والمربعات…(لقد وجدت أن
بإمكاني التعبير بالألوان والأشكال عن اشياء لا أملك كلمات أعبر بها عنها) كما
يقول جورج ياكيفي. إنه أميل إلى شكل المربعات(لأنها توحي بالإستقرار والإخلاص
والعقلانية ولا تخلو المربعات من الملل خاصة اذا سجنت نفسها في ثنائية: ابيض/أسود،
لأنها تعجز عن رؤية الاحتمالات المتوسطة.

  رسم عدة لوحات اعتبرها
مجرد مسودات وبروفات، ولكن لوحة سماها:(سجن مربع)لقيت استحسانا كبيرا من إحدى
استاذاته بالكلية، واقترحت عليه أن ينشرها بمجلة عالمية (فن الحياة) بإنجلترا. كان
السجن بأشكال متعددة. لقد تعرض صاحب المربعات لمضايقات كثيرة، وتمت مضايقته بأشكال
حربائية  بلا لون…

  هو الان رسم لنفسه
مربعا صغيرا سماه الوظيفة والحياة العائلية، وداخل هذا المربع الصغير خصص مربعا
أصغر منه كثيرا لرسم مزيد من المربعات السرية..

حكاية ظلي

 

 ظلي يمسح جسدي بجرة سراب! ينمحي جسدي: لا رأس
ولا أطراف ولا جذع. …فقط كثلة ظل بلا ملامح. تتحرك تماما كالجسد وتتكلم. …نعم
الظل يتكلم تماما كما يتكلم أي إنسان عادي وبنفس اللسان العربي الممزوج بلغة محكية
محلية
….
وصل الظل إلى مقهاي المفضل،
جلس. …(هل يصح ان اقول جلس أم تمدد أم تكوم أم غطى !؟) على نفس الكرسي الذي
أفضله. …وسط المقهى على اليمين من الباب، قرب النافذة المطلة على حديقة البنك
القريب. “رشيد. …رشييييييد أرى شي قهوة كحلة “! إنتبه الزبناء
القليلون إلى الصوت الصادر بدون وجود آدمي. أغلبهم كذب سمعه وانشغل بهاتفه.
“رشييييييد قهوتي “. حوقل معظم الزبناء وتململوا في كراسيهم. ….وشرع
النادل في البحث عن مصدر الصوت
. …
وفكر ظلي: سأدعهم في غفلتهم.
لا داعي لإثارة المزيد من الإزعاج. عاد رواد المقهى إلى علبهم المشعة الصغيرة وكأن
شيئا لم يحدث. إستغل الظل انعدام رؤيته من طرف الرواد وشرع يتجول بينهم. هذا مدمن
على إرسال الصور الخليعة إلى الجميع والبحث عن فتيات ونساء للدردشة وتبادل ما تيسر
من الكلام “الخليع “بدون بيض. وهذا يستغل الواتساب في ألوان من النميمة
سعيدا بما وفرت له التكنولوجيا من خدمات جليلة. وذلك الساكن دوما بالمقهى متخصص في
فتح حسابات على الصفحات الاجتماعية لممارسة هوايته المفضلة: ذم خصومه والتقول عليهم
ونشر الإشاعات والأكاذيب وابتزاز البعض. أما مدرس الرياضيات المرتهن في إحدى زوايا
المقهى فيحب الشيخات وألوان الطرب الشعبي يسمع في صمت وهو يضع سماعاته الخاصة. و
بائع الخضر، المعروف بصوته الجهوري، يفضل بالعكس إشهار استماعه لأغاني المطربين
الشعبين مع إظهار تجاوبه معهم دون أن يفكر في انه يزعج الآخرين. أما عون السلطة
فإنه مشتت التركيز بين متابعة أخبار البلدة على صفحات الفيس، لأنه  حريص على
التلصص على حسابات أبناء البلدة، وبين التقاط أخبار المقهى ومن جلس وتكلم. …لعل
كثرة اجتماعات بعض الأشخاص في المقهى حول موائد كبيرة ولمدة طويلة يحتاج إلى
انتباه أكثر. ..السياسة والإحتجاج روائح بارع في شمها وحدسها انطلاقا من وجوه
يعرفها. …وعليه ألا يخذل سيده الذي يؤمن له التمتع بالجلوس في المقهى واحتساء ما
لذ وطاب

الفتيات يتبادلن رسائل غرامية
مع أشخاص افتراضيين.  والقليل من
تجدهم  يقرؤون  مقالا أو موضوعا مهما أو يشاهدون  فيلما مفيدا.
….دوامة من الخواء
. ..
غمغم خيالي: “إنك تعيش
داخل غابة مباءة يا صاحبي. اعفني من هذه الحياة المعتمة. أنا أحب نور الشمس”.

تسلل ظلي وجرني وراءه إلى أن
وصلنا باب البيت فقال: هذا باب بيتك. …سامحني عليَ أن أعود إلى حياتي العادية
الخالية من تفاهاتكم…

———–
*
الخليع : أكلة مغربية مكونة من
اللحم المقدد المرقد في السمن البلدي كثيرا ما يطبخ مع البيض
. .. 

                                      
*بَركات…

  
المشهد في غاية الجمال: صفحة زرقاء مفتوحة على الأفق، مراكب صيد صغيرة تؤثث
الصفحة. سماء صافية إلا من سحب خجولة.  فضاء لألعاب الأطفال فارغ من الزبناء،
شمس غشت في ظهيرة هذا اليوم تقلص حركة الناس. في بناية المقهى الشامخة قبالة
المحيط أنغام كلاسيكية طربية رائعة، محمد عبد الوهاب يصدح: من غير ليه. ..في
الطاولة القريبة مني، على اليسار تجلس عائلة: إمرأتان ورجل، تجاوزوا عقدهم الخامس.
فور جلوسهم انتبهت إحدى المرأتين إلى وجود ضريح ومقبرة قبالة المقهى وسط المشهد
البحري الرائق، فسارعت إلى ترديد دعاء :

  “سلامٌ عليكُم دار
قومٍ مُؤْمنِين وإِنَّا إن شاء اللَّهُ بكُم لاحقُون اللَّهمَّ لا تحرِمنا أجرهُم
ولا تفتنَّا بعدهُم”. ثم أضافت
السلام عليكم أهل
الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإنا ان شاء الله بكم
للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية
.
 زمجر
الرجل كالمحتج : هل هذا المكان الجميل يستحق منك هذه الروح المأساوية؟ ردت عليه
المرأة الأخرى :الموت حق. فأجاب ضاحكا: كان عليكما أن تشتريا قرطاس شمع وتزوران
الولي الصالح بدل الجلوس بالمقهى. ..صرختا معا: هذا ما سنفعله بعد دفنك فيه إن شاء
الله  …وتضاحك الجميع

فكرت: ما حكاية صاحب هذا الضريح؟ كيف اختار أن يموت في هذه
الهضبة المطلة على البحر؟ وهل فعلا اختار ذلك؟! أم أنها مجرد صدفة
!
ولجت إلى صفحات (النيت)، لكن السيد جوجل خذلني هذه المرة، إسم
الضريح ومكانه لا يساعدان على العثور عن معلومات. ..الغريب ان هذا الإسم موجود في
منطقة أخرى من المغرب، بل وحتى خارج المغرب بتونس مثلا. …مدينة  تحمل اسمه. و لكنه هنا بلا هوية، لا موسم مثل
الأولياء الآخرين ولا حظوة مثل جاره مولاي أمغار! مقبرة الضريح مهملة، حين تمر
قربها تزكمك روائح البول والبراز البشري! ما أوسخ بعض الناس لا يوقرون حتى قبور
الموتى!! هل بهذه الطريقة ستتطور سياحتنا؟ ! كم نحتاج من دعوات تلك المرأة للأحياء
قبل الموتى؟
!
 كان
المشهد البحري الحي ينبض حياة رغم تشويش الضريح عليه، وكانت المرأة صاحبة الدعاء
قد نسيت الموت والموتى وشرعت في التقاط صور للطبيعة البحرية الخلابة. و أما أنا
فقد تذكرت حكاية الضريح الذي كان قبرا لعظام بهيمة فقط، وظل الناس يتبركون به لعدة
قرون. .

                  *من يوميات
نملة:                 

   الطفل إبن الخامسة،
أو أكثر قليلا، يحمل في يده اليمنى قطعة  (كرتون )صغيرة بقياس سبابته. يحركها
بانتظام يمينا ويسارا ليعترض طريق النملة. النملة سوداء وصغيرة جدا، تحمل بين
فكيها الدقيقين المرنين  (فتات كيكة )، ألقى به الطفل المشاغب. كان يرغب في
معرفة رد فعلها. واستجابت النملة – فعلا- لإثارته. .ها هي تحمل قطعة الفتات وتحاول
الذهاب بها إلى مكان ما. تتحرك بهمة وبلا تسرع فقطعة الكيكة البنية التي لها رائحة
مغرية تكاد تشكل نصف حجم النملة. تحث السير، لكن قطعة الكرتون تنتصب أمامها،
يحركها ذلك العملاق الواقف فوق رأسها. تصطدم النملة بالجدار الضخم – في نظرها-
وتغمغم : ما هذا بحق الرب؟! وتترك قطعة الفتات تسقط من فكيها، تستريح قليلا وتعاود
حملها والتحرك في اتجاه آخر. تحث السير. وتغمغم :هذه طريق سالكة. لكن ظلا عملاقا
يغطيها ويظهر جدار جديد ينبت في طريقها: 
(اللعنة! )تقول(ما هذا الحظ العاثر؟!). تضع الحمل، وتتنفس الصعداء، ثم تعض
على الفتات الذي بدأ يفقد شكله وحجمه. تفكر النملة الصغيرة في تسلق الجدار. تحاول
لكن الحمل يسقط، فالجدار شديد الارتفاع وشاهق. تعود إلى حملها، تتأمله ثم تنظر
حولها: حواجز كثيرة وظل عملاق يبدو شامخا الجسد الذي يحمله. من يكون صاحب هذا
الظل؟ وتعود إلى حملها تعض عليه بالنواجد! أو الأصح بالفكين الصارمين رغم صغرهما.
وتنظر في اتجاه سالك ثم تخطو خطواتها الواثقة. الطفل يراقبها ويبتسم و يتلمظ
متحسسا بلسانه ما علق من الكيكة بشفتيه. يتجشأ فتنزعج النملة من ذلك الرعد. تفكر (
لعلها ستمطر ؟علي أن أسرع ). لكن الطفل يحرك حاجزه فيسد عليها الطريق. تدور النملة
وتغير طريقها فينتصب أمامها الجدار. تضع الحمل وتتنفس و هي تحرك أطرافها الأمامية
للاسترخاء! وفي لحظة يختفي الظل وتنظر إلى كومة 
عملاقة تسد الأفق ويتساقط الجدار! تسارع إلى حملها تضعه بين فكيها، وتتحرك
في طريق سالكة. وقبل ان تختفي بعيدا عن كتلة الحاجز المتداعية تسمع صوتا كموج رعد
متتالي (اخخخر… اخخخر …اخخخر). لكنها تتابع سيرها حاملة قطعة الكيكة بدون أن
تنظر إلى الوراء
.

كتب ..صاحب المجموعة القصصية “يد الحكاية ” عبدالجليل لعميري