أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » في الأنموذج البيداغوجي لتدريس الأطفال  في وضعية إعاقة إشكال الخطاب والتحديات”الجزء الأول”

في الأنموذج البيداغوجي لتدريس الأطفال  في وضعية إعاقة إشكال الخطاب والتحديات”الجزء الأول”

في الأنموذج البيداغوجي لتدريس الأطفال  في وضعية إعاقة

إشكال الخطاب والتحديات

  توطئة لابد منها

            تعج الأبحاث والاجتهادات والانتاجات التربوية بمفاهيم مستحدثة ومتطورة أصبحت تؤشر على تحول النظر الى المؤسسة التربوية المدرسة وقيمها والى وظيفتها وأبعادها السوسيوتربوية والحقوقية والإنسانية .فالتطورات والتجديدات في المحتوى والمضمون القيمي والحقوقي لوظيفة المدرسة وللممارسة التربوية أصبحت تؤسس لمقاربات ومنظور جديد للفعل التربوي ، منظور ومقاربات تنفتح على تصورات تربوية حديثة تشكل قطيعة مع المؤسسة التعليمية والتربوية بمنظورها التقليدي المنكفئ والمنغلق على توفير خدمة تربية وتعليم ” الأطفال ” الأسوياء إذ تشدد على ضرورة انفتاح المؤسسة التعليمية على جميع الفئات من الأطفال في سن التمدرس باعتباره هذه المؤسسة منطلق ورافعة التمكين الاجتماعي لكل أفراد المجتمع

ولقد صارت هذه المصطلحات والمفاهيم ، التي سيحاول الكتاب مقاربة بعضها ،على اختلاف التصورات بشأنها من قبيل القابلية للتعلم والتربية éducabilité  ، التربية الدامجة inclusive l’education ،الدمج المدرسي inclusion scolaire  المجتمع والمؤسسة الدامجة société et institution inclusive ، التمكين الاجتماعي والتربوي ، الأطفال في وضعية إعاقة enfants en situation d’handicap  والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة enfants à besoins spécifiques ou particuliers    ،صارت رائجة وحاضرة بقوة في الخطاب  التربوي وفي السياسات التربوية الحديثة إن على المستوى الدولي أو الوطني

فعلى المستوى الدولي وعلى نطاق واسع ، ومنذ عقود حصل تطور في الأنموذج التربوي والبيداغوجي في إطارمحاولة استيعاب مختلف الأطفال اعتبارا لميزاتهم وخصوصياتهم  انطلاقا من مبدأ أن التعلم والتربية  صارا  حقا لجميع الأطفال دون تمييز ويتعين على الحكومات العمل على ضمانه وتطويره.

فبدءا من ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الانسان الى اتفاق سلامانكا انتهاء بوثيقة أهداف التنمية المستدامة 2015-2030 [1]وبتقاريرالمنظمات المختصة نصت مختلف المواثيق والاتفاقيات الصادرة عن المنظمات الدولية على الحق الأساسي في التربية والتعليم الجيد والمنصف للجميع وهو ما أصبح غاية المدرسة الحديثة.

.ينطلق هذا الطموح الدولي في تعميم الحق في تربية وتعليم جيد من مبدأ انساني عام ذي خلفيات أخلاقية وفلسفية وحقوقية يتجلى في طموح إزاحة التمثلات السلبية التي تنتشرفي  ثقافة بعض المجتمعات ومخيال شرائح كبيرة من أفرادها حول وضعية الإعاقة باعتبارها وصمة ومثبطا للتنمية  بالإضافة إلى السعي نحو  الانتقال من المساواة الى الانصاف والتمييز الإيجابي وبالأخص لفائدة الفئات الهشة من الأطفال ومن أبرز هذه الفئات فئة الأطفال في وضعية إعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة

و  لقد أصبحت الاتجاهات المعاصرة في حقل التربية والتعليم تظهراهتمامًا متزايدًا بشروط تحقيق الدمج المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة مع أترابهم الأسوياء وفق مبدأ القابلية للتعلم مع مراعاة خصوصيات كل طفل النفسية والجسدية وغيرها من الملامح التي تشكل تفرده عن الاخرين في ظل مبدأي الإنصاف والتمييز الإيجابي

التربية الدامجة أو الشاملة  مفهوم تراكمي  و سيرورة تاريخية دينامية  

لقد تطور النموذج المتبع في تربية تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عبرعمليات بحث طويلة ونقاشات واجتهادات ظلت تؤطرمختلف السياسات والتدابيرالتي استهدفت الانتقال من سياسة الاستبعاد والفصل والاقصاء الى ابداع صيغ متخصصة للتعامل مع كل وضعية إعاقة الى الدمج في المدارس العادية الى تبني مقاربة التربية الدامجة [2]

ففي العقد الأخير على الوجه الأخص  تطورت بعض الأنظمة التربوية من الادماج المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال في وضعية إعاقة في النظام المدرسي العادي نحو إقرار مقاربة التربية الدامجة من خلال التأكيد على ضرورة العمل على  دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومن هم في وضعية إعاقة  في الفصول العادية مع أقرانهم الأسوياء بما يقتضي هذا الدمج من الحرص على بناء التعلمات وتطويرها وتقويمها بناء على مشاريع تنطلق من تقييم للخصائص النمائية والنفسية والاجتماعية واعتبارا للإمكانات والقدرات التي يتوفر عليها كل متعلم  وكذا تكييف وملاءمة التعلمات والأنشطة حسب نوع كل إعاقة وحسب احتياجات كل طفل ضمن مشاريع تربوية دامجة

هذا وتتأسس التربية الدامجة على التفاعل المتدرج صعودا ونزولا بين المتعلم -ة- والمؤسسة التي تحتضنه. ففي قلب المؤسسة الدامجة يتحقق الانتقال من الطفل ككيان مستقل أو حالة فردية قائمة بذاتها، إلى اعتبار المدرسة ككيان وكمجتمع تربوي يحكمه تنظيم بيداغوجي وتشريعي، وتسيره ضوابط مهنية وعلائقية وهذه المؤسسة تشتغل في اطار الانفتاح على محيطها من خلال مشروع دامج يؤطر مشاريع تربوية أخرى تعمل من خلالها على خلق التمثل الإيجابي نحو وظيفة المدرسة في تحقيق الانصاف والاندماج المجتمعي ستتطور النظرة إلى الحق في التربية والتعليم  في اطار مقاربة التربية الدامجة لتدفعنا الى القول بأن رهان المدرسة والمؤسسات التربوية  تبني  توجه تربوي وبيداغوجي يمتح مفاهيم وتقنيات التخطيط والتدبير ومقاربات الذكاءات والمهارات المتعددة والبيداغوجيا الفارقية  لتوفير التعلم الجيد والمنصف لجميع الأطفال كيفما كانت اعاقاتهم بالشكل الذي يجعل من الفعل التعليمي التعلمي نشاطا عقلانيا وهادفا يتم التخطيط له وبناؤه  وفق أهداف مضبوطة ومحددة وتدبيره وتقويم وضبط سيروراته بالنسبة لكل متعلم على حدة ووفق مقاربة تشاركية تدمج وتكثف جهود مختلف الفاعلين والمتدخلين في العملية التربوية انطلاقا من مشروع  مؤسسي دامج .

وفق هذا المنظور تصير المدرسة الدامجة فضاءا اجتماعيا ينفتح على كل الجهود  في سعيها  الى توفير الحق في التربية والتعلم لكل طفل والى تطوير الملكات والتعلمات  وفق مسار تفريدي ومشروع شخصي يأخذ بعين الاعتبار احتياجات كل طفل وقدراته وخصائصه النمائية ودرجة اعاقته .كما يتعين على المؤسسة التربوية ان تكون حاضنة لرؤية تدبيرية قائمة على العمل وفق مشاريع خدمة لمصلحة المتعلم ، كل ذلك بناء على سياسة تربوية ومؤسساتية منضبطة لمعايير تشريعية وتنظيمية دقيقة

يتبع  في الجزء الثاني