يلزمنا حبة فهم فقط ! للكاتب الصحفي عبدالعزيز كوكاس
“البعض يخون لكي ينسى، والبعض ينسى لكي يخون” أحلام مستغانمي
عبد الرحمان الخطيب وزير داخلية الحكومة المغربية التي كان يرأسها محمد باحنيني والتي رفعت المعارضة بشأنها أول ملتمس رقابة في يونيو 1964، وأحد مؤسسي جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك) هو أخ المقاوم عبد الكريم الخطيب زعيم الحركة الوطنية الشعبية الدستورية التي ستضم في طياتها النواة الأولى لحزب العدالة والتنمية الذي أوصلته ظروف الربيع العربي الذي اضحى يباب، كما الربيع والحزب الحاكم ذات توهم.
السيد عبد الرحمان الخطيب لم يلتحق بحركة مقاومة الاستعمار الفرنسي كما فعل أخوه الخطيب، بل غداة أول عمل فدائي بعد نفي زعيم التحرير محمد الخامس إلى المنفى عام 1953، وعلى إثر تفجير أول قنبلة بالسوق المركزي بالدار البيضاء والتي كان وراءها محمد منصور، أوردت جريدة “le petit marocain” التابعة لجريدة “ماس” الاستعمارية خبراً مفاده أن “هيئة دفاع الإرهابيين المخربين تتكون من عدة محامين بينهم المحامي عبد الرحمان الخطيب”، لكنها بعد ذلك ستنشر بيان حقيقة وتكذيب توصلت به من عند الخطيب، يقول فيه: “أنا لست مغربيا، أنا فرنسي وأفتخر بجنسيتي”، بل الأدهى من هذا أن عبد الرحمان الخطيب وزير الداخلية المغربي في مرحلة الاستقلال نصب نفسه محاميا عن أحد الضحايا الفرنسيين لإبراء ذمته من الانتماء الوطني، وقال أثناء المحاكمة العسكرية الفرنسية في مواجهة المتهمين من رجال المقاومة وجيش التحرير: “هؤلاء المجرمون، هؤلاء الناس الذين استطاعوا إراقة الدماء في يوم ميلاد المسيح، في يوم عيد ليس فقط عيد النصارى، بل عيد العالم أجمع.. هؤلاء أنا لا أتكلم عنهم”، هذا الرجل سيصبح فيما بعد وزير الداخلية في حكومة المملكة المغربية المستقلة، مدافعا عن الوطن وعن الملكية!
مولاي أحمد العلوي يكاد يكون الوزير الوحيد على عهد الحسن الثاني الذي لا يخرج من وزارة إلا ليدخل أخرى، لدرجة يردد البعض أنه قال للحسن الثاني يوماً: “إذا ترك لك والدك الراحل وراثة العرش فقد ترك لي وراثة الوزارة”.
مولاي أحمد العلوي صاحب القفشات السياسية التي لا تنتهي، في عز محنة الشعب المغربي مع نفي محمد الخامس، وحين وجه علال الفاسي نداءه الشهير من القاهرة إلى الشعب المغربي لمقاومة المستعمر الذي أهانه بنفي سلطان المملكة، وهو النداء الذي نشرته جريدة “روز اليوسف” المصرية، كان أحمد العلوي بباريس قد أجرى استجوابا مع جريدة فرنسية، مما جاء فيه: “وجدير بالذكر أن جريدة “روز اليوسف” معروفة بلهجتها المتطرفة الخرقاء، وعلى كل حال فيما يهم العلاقات الفرنسية المغربية، فإن كل كلام مهما كان مصدره والذي يقارب أو يشير إلى استعمال القوة، فكل من قال مثل هذا الكلام أو يريد أن يجعل العلاقات بين المغرب وفرنسا متشنجة، يجب أن يُرد عليه هذا الكلام بقساوة، وكل من يريد إفساد العلاقة بين فرنسا والمغرب يجب أن يقاوم، لأن كلاماً مثل هذا لا يصدر عن عاقل”.
كلام مثل ما صرح به أحمد العلوي هو الذي جعل عبد اللطيف بن جلون الذي كان رئيس فريق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالبرلمان يقول في يونيو 1964 متوجها بحديثه إلى الوزير أحمد العلوي: “أنا لو كان لي ماض كماضي العلوي لما كنت هنا، بل لكنت ذهبت إلى حال سبيلي، ولكن “إذا لم تستح ولم تخش عاقبة الليالي فاصنع ما تشاء”.
الوزير الأول الذي قاد الحكومة المغربية منذ مجيء الحسن الثاني إلى العرش هو أحمد باحنيني، هذا الوزير كان من بين الأعيان الذين زاروا السلطان/ الدمية بن عرفة لما قدم إلى فاس وقبَّل يده، وأصبح فيما بعد وزيراً في حكومة ابن محمد الخامس المنفي الذي خلعه الاستعمار الفرنسي ووضع مكانه السلطان الوهمي بن عرفة…
بالله عليكم ألا تحتاجون مثلي إلى “حبَّة فهامة”، كيف أصبح مناهضو حركة المقاومة ومناصرو الاستعمار وعملاؤه، رجالات الحكم في المغرب المستقل؟!
وأصبح المقاومون والسياسيون الوطنيون في السجون والمنافي وأحسنهم حالا في المعارضة شبه الأبدية.. نحاول أن نفهم فقط لكي لا نموت بلداء.