جودة العطاء الطوعي
الكوتش الدولي الدكتور محمد طاوسي
عندما نعطى للآخر حق الاختيار و تحويله إلى قرار ، و عندما نمنح الفرص للجميع بمفهوم الاستحقاق و الكفاءة قصد تحقيق الأهداف ، عندها يسود العدل ، و يحق الحق ، و ينال كل ذي حق حقه ، فنصل إلى معايير المجتمع المتكافل المتكامل الذي يضع الكفاءة المناسبة في الوضعية المناسبة .
و لأن مفهوم النهضة المجتمعية الحقيقية تحتاج منا قيادة ناجعة راجحة متمكنة من تثبيت الكفاءات ، و ذات قوة فعلية فاعلة على أرض الواقع ، بعيدة كل البعد عن الأنانيات المستعلية التي تحول سارقي الاحلام و لصوص المشاريع إلى أصحاب قرار ، فيكرسون بذلك بدل الإنسانية و الكرامة الاجتماعية سمات الفقر المجتمعي و الاضطراب النفسي الاجتماعي للمواطنين ، فيصبح هؤلاء المواطنون و المجتمع بأكمله بذلك تحت رحمة لوبيات السارقين ، عندها نلاحظ اختلال الموازين الاجتماعية حتى نرى ان من لا يملك يعطى رغما لمن لا يستحق ، و من له إرادة تسلب منه تلك الإرادة طوعا أو كرها ، و عندها يطحن الضعفاء أيما طحن ، و تضيع قيم الإنسانية أيما ضياع ، و تطفو الذهنية الرعوية فوق القيم الأخلاقية العليا ، و يعلو الجشع و الأنانية على المصلحة الفضلى ، و تستشري عادات سيئة جارفة تصير سائدة ، رغم أن معظم السائد فاسد ، فلا ينفع عندها دواء و لا يشفي الغليل علاج .
بيد أن سلوك التطوع و المبادرات الفردية كانت أو الجماعية الحرة و التي تظهر معادن الرجال الحقيقية هي التي تحدث الفارق بين من يجعل من نفسه و ذاته حامل رسالة إنسانية و بين من يستغل الفرصة لمآربه الشخصية ، إذ أن السلوك الطوعي و المبادرة الإنسانية هي ذلك الشعور الحقيقي و الإحساس الصادق بالإنتماء إلى الآدمية الراقية ، و التي تسلم أيما تسليم بأن أهم ما في الإنسان هو روحه و دواخله أي ذلك المكون الروحي الذي هو جزء من روح الله تعالى ، و ليس شكله و لا جسده ذلك المكون الطيني الذي يبقى لصيقا بالسفاسف رغم ان الآدمية مشتقة من أديم الارض ، بل إن السلوك الطوعي الحقيقي هو أن تبادر و نكافح و نحارب عنصريتنا و انانيتنا ، و نعمل و نحن نعلم اننا احرار على بناء الإنسان ، و نكافح ضد التهميش و سياسة التقسيم القيمي حسب الجنس او العرق او اللون ، و نقوم قومة رجل واحد ضد امتلاك الأشياء ممن لا يستحقها ، و ضد سرقة الاحلام و المشاريع ، و ضد الاستخفاف بمشاعر الناس و أمالهم ، عندها سوف تسمو الأرواح للسماء ، و نكتسب الثروة الاجتماعية الحقيقية المادية عن طريق العيش الكريم و العدالة الاجتماعية و اللامادية التي تتجلى في كرامة الإنسان و صون عرضه و شرفه و الحفاظ على قوامته و حافظيته ، و عندها يصبح لدينا معايير و مقومات النجاح بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، و عندها فعلا نزيد من جودة العطاء و البدل لدى الأفرد و الجماعات و المجتمعات ، و هذا حقا هو الهدف الأسمى من العمل الطوعي الانساني الذي يسعى لتثبيت الأخلاق و السلوك الآدمي للمبادرات و التطوع .