عزيز لعويسي يكتب..الأولمبياد وميزان المحاسبة
بقلم: عزيز لعويسي
في كل مشاركة رياضية عالمية بقيمة ووزن كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية وبطولة العالم لألعاب القوى، اعتدنا أن نخرج بخفي حنين، ما عدا بعض الفلتات التي قلما يجود بها الزمن الرياضي، كما حدث في مونديال قطر مع المنتخب الوطني لكرة القدم الذي وصل إلى المربع الذهبي في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ المشاركات المغربية والعربية والإفريقية في هذا العرس العالمي، وما حدث حاليا مع المنتخب الوطني الأولمبي المشارك في أولمبياد باريس، الذي انتزع عن جدارة واستحقاق الميدالية البرونزية، لأول مرة في التاريخ الأولمبي المغربي والعربي، وكما حصل مع أسد مسافة 3000م موانع، سفيان البقالي، الذي انتزع الذهب الأولمبي للمرة الثانية على التوالي، في واحدة من أسوء المشاركات المغربية في الألعاب الأولمبية، دون إغفال الأداء الجيد لمنتخب الفوتسال الذي دخل العالمية من بابها الواسع؛
وقد اعتدنا في كل هزيمة أو إخفاق، أن نردد كلمات ومفردات تدخل في قاموس “العام زين”، من قبيل “المهم هو المشاركة” أو “ربحنا فريق” أو “كسبنا بطلا أو لاعبا صاعدا”، وألفنا بل وألف مسؤولونا، التغطية على فشلهم، بالركوب على ما جاد به قدر الرياضة علينا، من انتصارات “يتيمة” عابرة عبور السحاب، تسوق كالغابة التي يراد لها عنوة، أن تخفي غابة الإخفاق المستدام؛
أولمبياد باريس لم تخرج عن القاعدة، بعد أن جنى الأبطال المغاربة الهزائم والخيبات تباعا، ماعدا ذهبية البطل سفيان البقالي الذي أنقذ شرف الرياضة الأولمبية الوطنية، وما حققه المنتخب الأولمبي المغربي الذي طرد نحس كرة القدم المغربية، وهو يظفر بالبرونز الأولمبي لأول مرة في تاريخ المشاركات المغربية والعربية في المحفل الأولمبي العالمي، ومهما حاولنا تشخيص هذا “النحس الرياضي الوطني” أو اجتهدنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، كشف النقاب عن الأسباب التي تحكمت ولازالت تتحكم فيه، فالثابت أن ما تحقق في أولمبياد باريس، هو مرآة عاكسة لما وصلت إليه الرياضة الوطنية من ضعف ووهن واندحار، في جميع الرياضات الأولمبية، مع استثناءات طفيفة فيما يتعلق بكرة القدم التي تعيش صحوة غير مسبوقة؛
هذا العقم الرياضي الذي طال أمده، يسائل كل الأجهزة والقطاعات المعنية بشؤون الرياضة والثقافة، من وزارة وصية على قطاع الرياضة والثقافة، ولجنة أولمبية وجامعات وأندية رياضية وغيرها، والتي تتقاسم جميعها بمستويات ودرجات مختلفة، مسؤولية ما وصلت إليه الرياضة الوطنية من ضعف ووهن وتواضع، جعل المغرب الرياضي “متجاوزا” حتى من قبل دول عربية وإفريقية على مستوى سبورات الميداليات، على الرغم من العناية الملكية بالشأن الرياضي، وحجم الإمكانيات المادية المرصودة، لجعل الرياضة الوطنية قاطرة للتنمية الشاملة التي يقودها ملك البلاد بصمت وحنكة وسداد؛
مبررات كثيرة، تفرض التحرك في اتجاه “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، منها “الدينامية التنموية التي يشهدها المغرب على أكثر من مستوى”، والتي تقضي جعل “الرياضة الوطنية” في صلب التحول التنموي”، و”الأهمية الإشعاعية والاستراتيجية للرياضة الوطنية في خدمة الإشعاع الدبلوماسي للمملكة ودعم القوة المغربية الناعمة”، وبين هذا وذاك، “الأوراش المفتوحة التي انخرطت فيها المملكة، في مجال البنيات التحتية الرياضية، استعدادا للاستحقاقات الرياضية القادمة”، ومنها على الخصوص كأس إفريقيا للأمم، وكأس العالم 2030، والتي يفترض أن توازيها صحوة رياضية وطنية في كافة التخصصات، تليق بمغرب لم يعد كغرب الأمس؛
وحتى لا نضع البيض كاملا في سلة الرياضة الأولمبية، فلابد من الإشارة إلى أن الأداء الباهت والمخجل للرياضة الوطنية في أولمبياد باريس، هو مرآة عاكسة لبنية مجتمعية منتجة للفشل والتواضع، في مجالات كثيرة كالسياسة والاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم والإعلام والاتصال، وفي هذا الإطار، لن يستقيم البتة “عود الرياضة”، إلا بالإسهام الفردي والجماعي في بناء وتشكيل بيئة سياسية سليمة، محركة لآليات المصداقية والثقة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة، ومنتجة لخطاب المواطنة الحقة، وما يرتبط بها من استقامة ونزاهة وتضحية ونكران للذات، وصانعة للقيم الوطنية والدينية والإنسانية، وبين هذا وذاك، دافعة في اتجاه خدمة إشعاع الوطن وبهائه…
منار اليوم – جريدة شاملة مستقلة























