
مؤسسة رجل السلطة في المغرب: بين مشروعية الدولة وإكراهات التحولات الراهنة
بقلم ..عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم بايطال
مؤسسات رجل السلطة وتمثيل الدولة على المستوى الترابي:
تُعَدُّ مؤسسة رجل السلطة إحدى الركائز الأساسيّة في التنظيم الإداري للدولة، حيث تضطلع بمهام تمثيل السلطة المركزية الحكومية على المستوى الترابي، وتلعب دورًا محوريًا في تنفيذ السياسات العامة والعموميّة ومراقبة الشأن الترابي.
غير أن هذا الدور يطرح عدة إشكالات تتعلق بعلاقتها بباقي الفاعلين الترابيين، ومستويات الاستقلالية الممنوحة للجهات والجماعات الترابيّة في ظل سياسة اللامركزية وعدم التركيز الإداري.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أدوار مؤسسة رجل السلطة في النسق السياسي والإداري المغربي، مع تسليط الضوء على الإشكالات التي تواجهها في ظل تنامي أدوار الترابي والتحولات الجهوية.
مؤسسة رجل السلطة من بين الأجهزة الأكثر حساسيّة في النسق الإداري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المغربي، نظرًا لدورها المركزي في تنفيذ السياسات العامة والعمومية والقطاعية على حد سواء، وضمان الوجود والأمن والاستقرار والاستمرار والتنمية والعمران والسهر على تطبيق وتنفيذ القوانين والأنظمة وحفظ النظام العام الصحة والسلامة والطمأنينة والسكينة.
ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه المؤسسة محل اتهام وجدل ونقاش مجتمعي وسياسي، خاصة في ظل التحولات التي يعرفها مفهوم السلطة والمتغيرات المتسارعة في المشهدين الوطني والدولي.
في هذا السياق، يطرح التساؤل الجوهري: كيف تتكيف مؤسسة رجل السلطة مع التحولات الراهنة في ضوء المفهوم الجديد للسلطة؟ وما هي التحديات التي تواجه هذه الفئة في ظل التوازن الدقيق بين الالتزام بالقانون وخدمة المصلحة العامة؟
من خلال هذه الدراسة التركيبيّة، سيتم تفكيك الأدوار والوظائف المنوطة برجال السلطة وتحليل الإشكالات التي تعترضهم، مع التركيز على البُعد البنيوي لمؤسستهم داخل النسق السياسي والاجتماعي والثقافي والإداري، في ظل قيّم “نكران الذات المؤسساتي” و”الولاء للشعار المقدس: الله، الوطن، الملك”.
1. مفهوم السلطة بين التقليد والتحديث: أي موقع لرجل السلطة؟
لقد عرفت السلطة، كمفهوم وممارسة، تحولات جوهرية جعلت من الضروري إعادة النظر في دور رجل السلطة ووظيفته داخل المجتمع. فالمفهوم التقليدي للسلطة كان يقوم على الهيمنة والمراقبة الصارمة، بينما يتجه المفهوم الحديث نحو الحكامة الجيدة، والمقاربة التشاركية، واحترام حقوق الإنسان.
– الإشكالية الجوهرية: أي نموذج لرجل السلطة في ظل التحولات الراهنة؟
* هل نحن أمام نموذج جديد لرجل السلطة يتبنى مقاربة تدبيرية أكثر انفتاحًا؟
* كيف يمكن تحقيق التوازن بين مقتضيات الحفاظ على النظام العام واحترام الحريات الفردية والجماعية؟
* إلى أي حد نجح نموذج رجل السلطة الجديد في استيعاب مفهوم “نكران الذات المؤسساتي” كمبدأ لتجديد الممارسة الإدارية؟
– الولاء المؤسساتي والالتزام بالمصلحة العامة:
يرتكز النظام المغربي على ثوابت دستوريّة تتمثل في الولاء لله والوطن والملك، ما يجعل رجال السلطة ملزمين بتجسيد هذا الولاء من خلال أداء مهامهم بروح المسؤولية والتجرد. لكن هل الولاء المؤسساتي كافٍ لضمان نجاعة المرفق العام، أم أن هناك حاجة إلى آليات أخرى تكفل تحقيق توازن بين السلطة والمسؤولية؟
2. مؤسسة رجل السلطة بين المشروعية القانونية والتحديات الواقعية:
– البناء البنيوي لمؤسسة رجل السلطة: هرمية أم ديناميكيّة؟
يُظهر التحليل البنيوي لمؤسسة رجل السلطة أنها تعتمد على تراتبية إداريّة صارمة، تبدأ بالتدرج من أعوان السلطة (المقدمين والشيوخ) إلى القائد فالباشا ثم العامل والوالي، وصولًا إلى وزير الداخلية. هذه التراتبية تثير إشكاليات عدة:
* إلى أي مدى تتماشى هذه الهيكلة مع متطلبات التدبير العصري للسلطة؟
* هل يُساهم هذا النظام الهرمي في تعزيز الفعالية الإدارية أم أنه يُكرس البيروقراطية والجمود؟
* كيف يمكن إعادة هندسة هذه المؤسسة لتكون أكثر مرونة واستجابة لحاجيات المجتمع؟
– السلطة التنفيذية والتدخل في الشأن المحلي: تداخل أم تكامل؟
يُشكل رجل السلطة الحلقة الوسيطة المتقدمة بين السلطة المركزية والجماعات الترابيّة، لكن العلاقة بين الطرفين تتسم أحيانًا بالتوتر بسبب عنصر المراقبة والتداخل في بعض الاختصاصات والصلاحيات وتباين الرؤى.
* فما هي الحدود الفاصلة بين سلطة الوالي والعامل من جهة، والمنتخبين المحليين من جهة أخرى؟
* وكيف يمكن تحقيق الانسجام بين السلطة الإدارية والمنتخبة دون المساس باستقلالية القرار المحلي؟
* ثم هل يمكن اعتبار رجل السلطة مجرد منفذ لتعليمات مركزية، أم أنه شريك فعلي في صنع القرار المحلي؟
3. التحديات التي تواجه رجال السلطة في الممارسة اليومية:
– الابتزاز الأفقي والعمودي: بين الضغوط السياسية والمجتمعية:
رجال السلطة يتعرضون لضغوطات متعددة الأبعاد، خاصة في فترات الانتخابات أو عند تنفيذ قرارات إدارية صعبة مثل عمليات الإفراغ أو محاربة البناء العشوائي أو تنظيم الباعة الجائلين أو تحرير الملك العمومي…
* فكيف يمكن لرجل السلطة التعامل مع هذه الضغوط دون أن يفقد حياده؟
* وهل يمتلك رجال السلطة آليات قانونية تحميهم من الاستهداف السياسي والمجتمعي؟
* ثم كيف يمكن للمؤسسة ضمان استقلالية رجل السلطة عن الحسابات السياسية؟
– الاتهامات بالشطط في استعمال السلطة: مسؤولية فردية أم مشكلة وخلل عام في بنية مؤسسية؟
الجدل حول تجاوزات رجال السلطة يثير مسألة جوهرية:
* هل هي مشكلة أفراد يتجاوزون حدود صلاحياتهم، أم أنها ظاهرة تعكس إشكالات بنيوية في المنظومة الإدارية؟
* كيف يمكن التمييز بين التطبيق الحازم للقانون والتعسف في استخدام السلطة؟
* هل تكفي آليات الرقابة الداخلية لضمان عدم خروج الممارسة السلطوية عن إطارها القانوني؟
4. نحو نموذج جديد لرجل السلطة: مقاربة تركيبيّة:
– من رجل السلطة التقليدي إلى رجل السلطة التدبيري:
في ظل التحولات الراهنة، أصبح من الضروري إعادة النظر في مفهوم رجل السلطة ليكون أكثر ديناميكية وانفتاحًا.
* كيف يمكن إدماج رجل السلطة في دينامية الحكامة الجيدة دون المساس بطابع الحزم في تنفيذ القوانين؟
* ما هي الآليات الكفيلة بجعل رجل السلطة فاعلًا تنمويًا وليس مجرد منفذ للأوامر؟
– نكران الذات المؤسساتي كمدخل لإصلاح الممارسة السلطويّة:
يتطلب المفهوم الجديد للسلطة إعادة تشكيل عقليّة رجل السلطة وفق قيم “نكران الذات المؤسساتي”، بحيث يكون ولاؤه للمؤسسة وليس للمصالح الشخصية أو الفئوية.
* فكيف يمكن ترسيخ مبدأ نكران الذات المؤسساتي في الثقافة المهنيّة لرجال السلطة؟
* وما هي الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المطلوبة لتأطير هذا المبدأ وتحويله إلى ممارسة فعلية؟
– خلاصة واستنتاجات عامة:
يتضح من خلال هذا التحليل؛ أن مؤسسة رجل السلطة تلعب دورًا محوريًا في تدبير الشأن العام، لكنها تواجه تحديات جد معقدة تتراوح بين الضغوط السياسية والاجتماعية، واستيعاب المتناقضات المجتمعيّة واتهامات بالشطط في استعمال السلطة، وتداخل الاختصاصات والصلاحيات بين المستويين المركزي الترابيّ.
إن إعادة بناء هذه المؤسسة وفق المفهوم الجديد للسلطة يدعو إلى الأخذ بالاعتبار هذه التوصيات الرباعية:
1. تعزيز التكوين المستمر لرجال السلطة في مجالات الحكامة، حقوق الإنسان، والتواصل الإداري.
2. إعادة هيكلة المؤسسة بما يضمن مزيدًا من المرونة والتفاعل مع المتغيرات المجتمعية.
3. ترسيخ ثقافة نكران الذات المؤسساتي كقيمة أساسية في ممارسة السلطة.
4. تطوير آليات الرقابة والمساءلة لضمان عدم خروج رجال السلطة عن الإطار القانوني لمهامهم.
إن بناء رجل سلطة جديد يتطلب رؤية استراتيجية تستند إلى مقاربة تدبيرية أكثر شموليّة، تجعل من شعار: الله، الوطن، الملك؛ منطلقًا في تحديد الولاء لتحقيق التوازن بين السلطة والمسؤولية، وبين الحزم والصرامة في تطبيق القانون واحترام الحريات وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة في إدارة وتدبير شؤون البلاد والعباد اليوميّة.