الحرية بين الإيمان و الكفر ..
موقع منار اليوم الاثلاثاء 13 يوليوز 2021. بقلم مصطفى فاكر
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الحريات الفردية الخاصة بالأشكال ذكورا و إناثا،رجالا و نساء، وذهب فيها القوم كل مذهب و أصل لها العلماني و الإسلامي و حولها البعض إلى محط للجدال و محل للصراع الفكري و الإيديولوجي بين من يعترف بها و يحصر فضاءها إلى حدود معقولة، ومن أرخى لها العنان و جعلها فوق الحدود، و دعا لإسقاط القانون المجرم و الشرع المحرم و اعتبر الحق في إطلاق العنان لشهوات النفس و الجسد حقا يجب أن يكون مكفولا دون قيد و لا شرط.وهكذا استمر الجدال و سيستمر مادامت الخصومة الإيديولوجية قائمة و الصراع الفكري كائن و مترسخ بين تلوينات و تعبيرات ساحة التدافع السياسي و الفكري في هذا البلد و في سائر بلاد العرب و المسلمين. لكن في المقابل ظلت هذه الحرية تتلقى الضربات من روادها و مناصريها في ساحة التدافع السياسي الإنتخابوي و أصبح ما هو محرم تؤطره القناعات العلمانية و اللادينية حول الأفراد و الأشخاص الذاتيين، و تؤصل له صراعاتهم المستمرة في معركة تثبيث الذات ضد الشرع /الدين و القانون، حينما يتعلق الأمر بالأشخاص و الأفراد حلالا زلالا، حينما يقصدون إلى انتهاك خويصات الأشخاص المعنويين( الأحزاب و التنظيمات المدنية) في حلبة الصراع السياسي و الحزبي.فالحرية قيمة إنسانية فوق كل استغلال ينبغي تحقيق غايات ظرفية أو تصفية حسابات خاصة، فهي قيمة غير قابلة للتجزئ أو التلون، حتى نأخذ منها و ندع، فهي للأشخاص كما للمجتمعات و التمركزات السياسية و الفكرية سواء بسواء، فحينما نؤمن بها كقيمة إنسانية لهذا الطرف و ننافح دونها من أجله، فلا يحق لنا أن نخرق اعتبارها حينما يتعلق الأمر بطرف آخر كان شخصا ذاتيا أو معنويا. فهي للأفراد حق مقدس في حدود يتواضع عليها العالمون و هي للمجتمعات و التكتلات السياسية و الفكرية كذلك حق لا يحق لأحد أن ينتهك حياضها أو يعبث باعتبارها القيمي المقدس. فلقد سرت في الآفاق في الآونة الأخيرةخطابات انتهاكية لكائنات ظلت ( تصدع) رؤوسنا بالغيرة على الحريات الفردية، و بلغت مبالغ غير مسبوقة في الدفاع عنها، حتى دعت إلى إسقاط أحكام القانون و الشرع، من أجل التمكين لها في المجتمع المغربي، لكنها في المقابل، لم تستحي أن تنتهك ذات الحرية لخصوم على وغى التدافع السياسي، فأوغلت في انتهاك خصوصياتهم الذاتية، و التدخل في قناعاتهم السياسية و منطلقاتهم المذهبية الفكرانية،في ضرب صارخ لحق التنظيمات و الأحزاب في تبني المنطلقات التي تراها الأجدر بالتأسيس لرؤى التغيير، و فلسفات التأطير الجماهيري و الأوفق للقناعات المجتمعية التي توجه إليها خطاب الإستقطاب، وهي من قبيل الحريات الفردية المرتبطة بالأشخاص المعنويين و التي تحتاج من كل العقلاء نفس الغيرة و الدفاع الذي تناله منا الحريات الفردية المرتبطة بالأشخاص الذاتيين.
فالتدخل في اختيارات أحزاب إسلامية أو علمانية أصلت لقناعتها الخاصة و أسست عليها برامجها و رؤاها الإستراتيجية القمينة،حسبها بإحداث التغيير المنشود المحقق لإنتظارات الشعب لا يقل جرما و انتهاكا مما يفعله التدخل السافر في حريات الأشخاص الذاتيين بمنطق العلماني المتطرف الذي يدعو إلى تكسير الحواجزو العراقيل الحائلة أمام إنطلاق هذه الحرية و التمكين لها بدون شرط و لا قيد، بما في ذلك تحريمات الدين و تجريمات الشرع، أو بمنطق الإسلامي أو العلماني المعتدل الذي يؤسس لحدودها المعقولة من الدين و القانون.فرفضنا التدخل في الحرية الفردية المطلقة للأشخاص الذاتيين يجب أن يكون أيضا سلوكا نسحبه على مختلف تطلعاتنا المجتمعية و السياسية و الفكرية مع الأغيار و أحزاب أو تنظيمات مدنية. إذ هذه القناعة المرتبطة بقيمة إنسانية أو بالأحرى بما نتصوره و نعتقده حول هذه القيمة صحيحا كان أو خطأ، لا يمكن أن يقبل لنا بحصر هذا الإيمان في زاوية ضيقة، فنؤمن بالحرية و ننافح دونها حينما تخدم أجنداتنا و نكفر بها حينما تعيق هذه الأجندات وتخدم أجندات خصومنا.فالهجومات التي تتوالى على أحزاب و برامج و مذهبيات، و تتدخل في القناعات الخاصة بهابالتأويل و التخوين و التي تصدر من على منابر الخطابة و الإعلام و من داخل الندوات و الصالونات، من أنصار الحريات الفردية المطلقة، لا يقل جرما مما تفعله أعتى الديكتاتوريات العسكرية في حق الحريات المقدسة التي تكفلها الشرائع السماوية و القوانين الدولية. فبنفس القدر الذي يحترم فيه من يخلطون الدين بالسياسة، من يسحبونه منها، على هؤلاء أن يحترموا لأولئك قناعاتهم التي يصدرون عنها و أن يقدروا لهم حريتهم الحزبية الفردية كما يقدرون للأشخاص الذاتيين حرياتهم الفردية حتى جعلوها قضيتهم الفكرية و السياسية الأولى سواء بسواء و دمتم على وطن…..
الكاتب ..مصطفى فاكر الشماعية