المغرب ما بعد كورونا ..للكاتب الصحفي مصطفى فاكر.
موقع المنار توداي 18 غشت 2020.
امام مواجهة
الأزمة العميقة التي أحدثتها جائحة كورونا على جميع المستويات لا سيما
على المستوى الصحي والاقتصادي في العالم ، فأي تفكير مبكر في السياسات الواجب
اتباعها لمواجهة و التغلب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد
المجتمع أمر مرحب به .
في هذا الصدد نشيد ونثمن بالمبادرة
الحسنة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في شكل منتدى المواطنة
مفتوح يمكن المواطنين من المساهمة في التفكير بحرية في مسارات و إصلاحات جديدة
لصالح نموذج تنموي جديد للتنمية البشرية والاقتصادية بهدف التغلب بشكل جماعي على
ازمة ما بعد كوفد 19.
و تلبية لهذه الدعوة
الكريمة ارى انه من واجبي ان اقدم مساهمتي على شكل بعض المقترحات المتواضعة فبصفتي
فاعل حقوقي ونقابي و مدافع عن الحقوق العامة و الشخصية فإني مقتنع بأن اي مبادرة
او اقتراح او اي استراتيجية ارادت الحكومة المغربية اعتمادها حاضرا او على
المستوى القصير أو على المستوى المتوسط أو حتى على المدى البعيد يجب أن يمر عبر
احترام دستور فاتح يوليوز 2011. و بما ان ماساة وباء كوفيد 19 اجبرتنا
جميعا على التفكير بجد و التأمل بعمق ، و اجبرنا الموقف كذلك ان نكون أكثر انتقادا
لذواتنا بشأن الفشل المستمر لسياسات التنمية البشرية و الاقتصادية، هذا الفشل
الذي اعترف به جلالة الملك شخصيا في أكثر من مناسبة ، و يمكن ان تتبث
مقترحاتنا المتواضعة انها اكثر واقعية و أكثر فعالية اذا اعتمدنا على هويتنا
الاصلية و لغتنا الأم ، التي كانت محتقرة و مهمشة بشكل مقصود و ارادي
و هكذا فقبل ظهور
كوفيد 19 في بلدنا كان المغرب قد احتل المركز 121 من بين 189 دولة وفقا لمؤشر
التنمية البشرية التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي على الرغم من الجهود
الحكومية المهمة منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش ،الا أن بلادنا للأسف
تخلفت عن دول العالم في مجال التنمية البشرية، ما أدى إلى معاقبتها بشدة بسبب
افلاس قطاع التعليم والنتائج غير المرضية لبرنامج محو الامية للكبار ،هذا القطاع
الذي تستغله بعض الأحزاب المحافظة لصالح جمعياتها المنتشرة كالفطر في كل مكان من
البلاد بغرض نشر الدعوة إلى الاسلام، دون أن ننسى بالطبع القطاع الصحي الذي فشل
بدوره مع العلم أن هذين القطاعين الصحي و التعليمي هما القطاعان الرئيسيان على وجه
التحديد اللذين يمتصان جزءا كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي من ميزانيتنا الوطنية
.إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو وقع القطاعين على الحياة الاجتماعية
للمواطنين ؟؟؟
و من هذا المنطلق فاي
اصلاح سيتخذ في هذين القطاعين المهمين و من عدم إهدار ميزانيات كل منهما يجب أن
تؤخذ المطالب المشروعة للمواطنين بعين الاعتبار كيف ؟؟؟
1/في المجال الصحي
:لطالما تقدم المواطنون للمطالبة بالبنى التحتية الصحية في المناطق المهمشة ،على
سبيل المثال في الريف طالب مناضلو المجتمع المدني و باستمرار ببناء المستشفيات
المتخصصة في علم الأورام نظرا لارتفاع معدل مرضى السرطان ،نفس الشيء سيقع في منطقة
الجنوب الشرقي حيث كان الموت المأساوي لسوء الحظ من نصيب الفتاة الصغيرة ايديا في
أبريل 2017 دائما بسبب عدم وجود البنيات التحتية و فقدان التجهيزات الطبية في
منطقة الأطلس المتوسط بخنيفرة تحديدا واجهت المنظمات غير الحكومية المغربية
السويسرية عوائق إدارية لا يمكن تبريرها ولا تفسيرها فقط لأنها تريد المساعدة
بالات طبية و بناء مستوصفات صغيرة لصالح السكان .
إذن فبعد كوفيد 19
حان الوقت لتحسين نظام الرعاية الصحية ببلادنا وهذا ما دعا إليه صاحب الجلالة في
خطاب العرش الأخير و ذلك بلا مركزية البنيات التحتية الصحية و تقريبها من
المناطق المهمشة قدر الامكان و وضعها رهن اشارة المواطنين في المناطق القروية و الجبلية المعزولة
و سن سياسة صحية لصالح المواطنين لا يعني أن يقتصر المشروع على زيارة وزير الصحة
أو اي مسؤول لهذه المناطق و يقوم بأخذ صور فوتوغرافية و تغطيات تلفزية أثناء
افتتاح المركز الاستشفائي ، و عند مغادرته تسحب كل الآلات و المواد الطبية مثل ما
حصل في بلد أنفكو التابعة لإقليم خنيفرة و بلدة بني انصار التابعة لاقليم الناضور
.في نفس المجال يجب تكثيف بث حملات التوعية الصحية و الحملات التحسيسية في تنظيم
الأسرة على شاشات الإعلام الوطني.
2/ في مجال التربية و
التعلم :لقد علمنا هذا الوباء الأهمية القصوى الانترنت في حياتنا العملية و
العلمية و التعليمية و علمنا كذلك أن هذه التكنولوجيات الجديدة يجب أن تصبح عمومية
و شعبية لتكافؤ الفرص بين المواطنين ، كما علمنا أن تدريس اللغات الاجنبية و التعليم
الالكتروني و كذلك التعليم الجاد و الجيد المنفتح على العالم ليس خيارا و لكنه
اصبح الان حقا و التزاما.
ما معناه أن نظام
التعليم المغربي الذي يقوم على دعائم ايديولوجية أصبح فاشلا” فسياسة
التعريب” التي يعتمد عليها النظام التعليمي ببلادنا أدت إلى ارتفاع معدلات
الفشل الدراسي و الهدر المدرسي ، فقد بلغ عدد التلاميذ الذين يتركون مقاعد الدرس
260.000 طالب سنة 2017/2018. و في بعض السنوات تجاوز هذا الرقم و يرجع
بالاساس الى العمى الايديولوجي الذي ادى الى استبعاد اللغات الأم كما اكدت
ذلك منظمة اليونسكو و بهذا المعنى فان تعميم التعليم الأولي الذي دافع عنه
المستشار الراحل مزيان بلفقيه و التعليم الابتدائي لا يمكن أن يعطي نتائج مقنعة
الا اذا كانت تدرس بها اللغات الأم لهؤلاء الأطفال.
3/ فيما يتعلق بالمرأة المغربية
فقد راهنت جميع البلدان النامية التي شهدت قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية و
التكنولوجية على سياسات استباقية من خلال تشجيع تعليم الفتيات و الشابات و محو
الامية لدى النساء .
ان عامل الأمية من
أهم اسباب تهميش المراة وخاصة المراة القروية إذ تشكل عقبة رئيسية أمام الحد
من الفقر المدقع، فكما تشير العديد من المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق
المراة ، فان هذه الاخيرة عندما تتعلم القراءة و الكتابة و الحساب ، يمكنها أن
تختار ما من شأنه تحسين وضعيتها الاقتصادية و حياتها الاجتماعية بشكل كبير .
و في عالم ما بعد كوفيد
19 ستكون للتكنولوجيا و التقنيات الرقمية مكانة مهمة ، و معها معرفة القراءة و
الكتابة و الحساب و التعامل مع الانترنت لتكون أدوات ضرورية لممارسة الحقوق
الاساسية و وسيلة لمشاركة النساء بنشاط في تغيير العالم و منها بالطبع محاربة
الفقر الذي لن يصبح خيارا .
إن سياسات محو الأمية
وتكوين النساء يجب أن تتضمن حملات لتوعية النساء المعنفات و حملات تحسيسية لمكافحة
جميع أشكال التمييز ضد المراة وكذلك حملات لتنظيم الاسرة و هذا الهدف لن يتحقق في
ظل الاستمرار في الإهمال الواعي و الإرادي للدور الأساسي للغات الام .
4/ في مجال الاتصال
السمعي البصري :أن وباء كوفيد19 بالإضافة إلى آثاره الصحية و الاقتصادية الضارة ،
سمح بانتشار و نشر العديد من الشائعات و الأخبار الزائفة التي ينشرها الكثيرون من المواطنين
دون مسؤولية و يصدقها آخرون ، ولهذا سيكون من الضروري اعادة التفكير في سياسة
اتصال سمعي بصري جديدة تتميز بمزيد من الحزم و المصداقية و الشفافية و بهذا المعنى
سيكون من الضروري محاربة “فيتو ” المعلومات ، فلا يمكن لثورة ما بعد
كوفيد 19 أن تكون فعالة إلا إذا تم ترويجها باللغات الأم بالتحدث مع الناس عما
يعجبهم و يفهمونه بلغتهم لانها هويتهم و تاريخهم .
وخلاصة و كما
صرح بذلك مؤخرا مدير صندوق النقد الدولي بإفريقيا هذه المرة لا يمكن لأي بلد في
افريقيا ان يسلم من الأزمة الاقتصادية التي تسببها جائحة فيروس كورونا كوفد 19
والمغرب كدولة افريقية لا يمكن ان تتجاوز هذه الازمة الا من خلال التضامن الوطني
الواسع، مما سيعزز النموذج الجديد للتنمية البشرية و الاجتماعية و الاقتصادية و
الذي يأخذ بعين الاعتبار الخصائص اللغوية والثقافية للشعب المغربيالكاتب ذ/ مصطفى فاكر الشماعية .