أخر الأخبار
الرئيسية » الارشيف » العنف ضد المراة في زمن كورونا.للكاتب مصطفى فاكر

العنف ضد المراة في زمن كورونا.للكاتب مصطفى فاكر

موقع المنارتوداي24 يونيو2020.
تعد ظاهرة العنف
الاسري من الظواهر المشينة التي تنخر جسم الاسر و المجتمع ، فهي
تؤثر في الاسرة و تؤدي الى انتشار الفساد و الكثير من الظواهر السلبية التي
يعج بها المجتمع ، و يكتسي هذا العنف في غالب الاحيان وضعا اجتماعيا خاصا ،
حيث ينظر إليه باعتباره ظاهرة اسرية يتميز في كثير من المجتمعات بخصوصية
التدبير الفردي خارج تدخل المؤسسات القانونية حيث يستند الى شرعية قبلية مؤسسة على
قانون اجتماعي متعارف عليه ، و الذي يخول لأفراد الاسرة حق استخدام القوة للحفاظ
على المجموعة الاسرية تحت سيطرته و تدبيره
ان العنف الاسري
أضحى قضية اجتماعية مقلقة ومخيفة ، فهو في خط تصاعدي بوتيرة سريعة ،
إذ عدد الضحايا يزداد يوما بعد يوم وسنة بعد سنة سيما في صفوف النساء و
الفتيات و الذي يعد أكبر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا و استمرارا وتدميرا في
عالمنا اليوم
.
و تجدر الاشارة ان
العالم اليوم يعيش حالة استثناء بسبب جائحة كورونا الذي أرغم العالم على فرض حجر صحي
واسع ، فتم حظر التجول و تعطيل المدارس و اجبر جم غفير من الناس على البقاء في
منازلهم حفاظا على حياتهم ، و تغير بذلك وضع الناس و احوالهم و تحولوا الى وضع
جديد و غريب على كل العلاقات و على جميع المستويات ، مما تسبب في ظهور وباء جديد
تسلل الى المنازل بدون استئذان مهددا الافراد و الجماعات حاملا لواء الخصام و
الشجار  انه العنف ضد النساء . فما
هي أسباب ظهور هذا الوباء ؟ و كيف يمكن الحفاظ على تماسك الاسرة في ظل
هذه الجائحة ؟
للإجابة على هذه
الأسئلة نقترح تناول الموضوع وفق فقرتين أساسيتين نخصص الأولى للحديث عن
العنف ضد المرأة و اسباب تزايد وتيرته في ظل الجائحة ، في حين نخصص
الفقرة الثانية لحلول و تدابير لمواجهة هذا الوباء الاسري
 .
1/ العنف ضد
المرأة مفهومه و أسباب تزايده في زمن كورونا :بعد مرور ثلاثة أشهر على الحجر
الصحي الذي عرفه العالم اثر خلفية تفشي فيروس كورونا الجديد راح يسجل تصاعدا في
الأرقام المتعلقة بالنساء اللواتي يتعرضن للعنف الاسري في جل المجتمعات و إن
تفاوتت نسبتها ، فقد أشارت هيئة الامم المتحدة الى زيادة كبيرة في عدد
البلاغات و الطلبات التي تلقتها خطوط المساعدة المعنية بحالات العنف
الاسري في كل العالم .وهذا ما جعل أنطونيو غوتيريس يطلق صيحة في يوم 5 أبريل
2020 من مقر المنظمة الدولية يحذر من تفاقم هذه الظاهرة و انعكاسها على ما وصفه ب
” سلام منازل ” . و لعل هذا النوع من العنف ليس حديث العهد ، فقد مورس
على المراة من قبل و لا زال يمارس بل ازدادت وتيرته في ظل هذه الجائحة ، و يعد هذا
العنف من أهم مظاهر عدم المساواة بين الجنسين ،اذ يرتبط ارتباطا وثيقا بعلاقات
القوى غير المتكافئة بين الرجال و النساء ، فهو عبارة عن سلوك عنيف موجه نحو
المرأة و ياخذ عدة اشكال معنوية كانت او جسدية ، وحسب تعريف الامم المتحدة في اطار
الاعلان المتعلق بالقضاء على العنف ضد المراة لسنة 1993 فانه سلوك يمارس ضد
المراة و المدفوع بالعصبية الجنسية مما يؤدي الى معاناة وأذى يلحق المراة في
الجوانب النفسية و الجسدية. فكل سلوك عنيف موجه للمراة بالفعل كان أو بالقول ياخذ صفة
التحقير او الاقصاء او غيره. و الذي قد يؤثر على الصحة النفسية و الجسدية للضحية
يعد من قبيل العنف و انتهاكات لحقوق الإنسان عامة وهكذا فقد نص الإعلان العالمي
للقضاء على العنف ضد المراة لعام 1993 في ديباجته
:” على أن العنف ضد
المراة يمثل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم
  على النحو المسلم
به” و ان العنف ضد المراة يشكل انتهاكا لحقوق الانسان والحريات الاساسية و
يعوق او يلغي تمتع المراة بهذه الحقوق و الحريات الاساسية. و على هذا الاساس فقد
اوجب بروتوكول حقوق المراة في افريقيا عام
2003 على الدول احترام
حقوق المراة و تفعيلها باتخاذ التدابير المناسبة حظر استغلال المراة أو تحقيرها و
حمايتها من جميع أشكال العنف اللفظي و الجسدي و لعل السبب في تسارع وتيرة هذا العنف
في ظل هذه الجائحة هو الوضع الجديد و الغريب الذي تتخبط فيه العائلات على جميع
المستويات، فقد حول الحجر الصحي جل المنازل الى سجن ومدرسة وقاعة للالعاب و
ممارسة الهوايات ، فلا غرابة ان يتحول أفراد الأسرة الواحدة في مثل هذه الظروف الى
خصوم لديهم قابلية ممارسة العنف بانواعه و اشكاله. فرب الاسرة يغلب عليه التوتر
العصبي بسبب خوفه من المرض و خوفه من شبح الموت الذي أصبح جاثما على صدر الجميع
يلوح بيديه محذرا و مهددا ، فضلا عن التوقف عن الحياة و تأجيل المواعيد و المشاريع
و الخطط و كذا الطموحات إلى أجل غير مسمى مما يثير حالة من القلق والاضطراب النفسي
فيتولد عنه عنف تجاه الزوجة والأولاد كذلك
.
2/ حلول
وتدابير لمواجهة وباء العنف الاسري : كثير من الرجال يعتبرون المراة ندا لهم
فيقومون باستفزازه مما يولد الشجار بينهما متناسين ان المراة كائن ضعيف له طريقة
مختلفة في تفكيره و تواصله مع الآخر و بسبب هذا تنبثق خلافات وصراعات بين الأزواج
سيما في بعض الأحوال كحال الحجر الصحي الذي تسبب في اثارة الغضب و النزاع و
الارتباك عند كثير من الأسر ، ويحتاج الأمر الى ادارة الخلاف و درء الخصومات
حتى لا تشعر المراة أنها كائن ضعيف مضطهد
.
ان الخلافات بين
الأزواج طفت على السطح من جديد بشكل لافت خلال الحجر المنزلي نتيجة مجموعة من
العوامل السالفة الذكر ، فمعظم النساء وجدن أنفسهن محاصرات بعد أن أغلقت عليهم
الأبواب مع أزواجهن وتسارعت وتيرة العنف في صفوفهن و ازداد حجم النزاعات
والخصومات بين الأزواج ، مما يتطلب تدخلا عاجلا للحيلولة دون تفاقم الوضع و
تزايد عدد الضحايا و رصد تدابير وقائية و حلول ناجعة لعودة سلام المنازل
.
و في هذا السياق
بادرت الجمعيات الحقوقية النسائية في المغرب الى اتخاذ اجراءات وتدابير وقائية تؤمن
سلامة المراة من العنف ، حيث أطلقت جمعية تحدي المساواة و المواطنة بالبيضاء
مبادرة الاستماع عن بعد لفائدة النساء المعنفات و اللواتي يعشن في وضعية صعبة كما
بادرت منظمة “مرا
MRA” الى اتخاذ تدابير طارئة في هذا الموضوع بمساعدة
نساء ضحايا العنف و التعرف على وجهاتهم في ارجاء المملكة وعملت على إنشاء صفحة عبر
التواصل الاجتماعي لتسهيل عملية التواصل ومواكبة الاستماع للنساء ضحايا العنف
،دون أن نغفل عن مبادرات من جهات رسمية و شراكات مع دول اخرى .لكن هذه المبادرات و
التي تحمل في طياتها حلولا علاجية لهذه الظاهرة غير كافية خاصة في الوضع الراهن
بسبب الحجر الصحي الذي التزم به الجميع مما يشكل صعوبة في الوصول الى هؤلاء النسوة
المعنفات و مواكبتها نفسيا و صحيا، مما يستوجب البحث عن حلول وقائية
أكثر نجاعة و التي يمكن اقتباسها في ديننا الحنيف الذي يحث على التراحم
والتآزر و تقوية الروابط وفق ما نصت عليه الشريعة الاسلامية و معاملة النساء
معاملة حسنة ، و قدوتنا في ذلك رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام فقد كان خير
زوج لأهله و أمرنا بالتحلي بهذه الخيرية فقال :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم
لأهلي
سنن ابن ماجة .

كما امر الأزواج
بالإحسان إلى النساء فقال
 :” استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان ”
سنن ابن ماجة .هذه الأحاديث وغيرها تشير الى ضرورة اكرام المراة و انزالها منزلتها
التي تليق بها ن فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل نساءه معاملة حسنة و
يكون في خدمة أهله يخيط ثوبه ويخصف نعله و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم كما
ذكرت أمنا عائشة رضي الله عنها أن يعاملهن بالود والإحسان ويعينهم في أمور البيت فكانت
معاملته صلى الله عليه و سلم و سلوكه في بيته قدوة طيبة لأمته ، فما احوجنا إلى
مثل هذه المعاملة فتخصص لزوجك وقتا من اوقاتك سيما في هذا الحجر المنزلي تصغي الى
همومها و الى مشاكلها. فاصغاؤنا لنساءنا اتباع لسنة النبي صلى الله عليه و
سلم. و في هذا السياق و بما ان الدولة انخرطت بجدية وحماس لتوعية الناس ووقايتهم
من فيروس كورونا من خلال تسخيرها لقنوات فضائية ووسائل الإعلام لهذا الغرض فسوف
يكون من المفيد أن تخصص الدولة هذه القنوات و الفضائيات لتحسيس الناس بمخاطر العنف
ضد النساء و ما ينتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية على الاسرة و المجتمع ككل
.
الكاتب مصطفى فاكر..