الشماعية المدينة الجريحة !!!… للكاتب مصطفى فاكر
موقع المنار توداي السبت 14 نونبر 2020.
الشماعية مدينة
أضحت تتسع و تولد و تكبر وتتمدد في كل الاتجاهات ،تمد جذورها كشجرة فوق
الأرض من كل ناحية … الأبنية والجدران تتناسل و تتكاثر ترفع هاماتها
نحو عنان السماء في خيلاء .
حواشي المدينة ما
فتئت تقضم تارة تحت جنح الليل طورا وطورا آخر تتآكل في بزوغ الشمس .
تبدو الشماعية مدينة
الاقزام بمشاريعها و سيرورتها التنموية ، لكنها جملة بمكارم سكانها ، ثرية
بأمجادها بثراتها بوداعتها بصفاء جوها وزحامها و زعيقها ، غنية
بمقاهيها ، بمطاعمها بمتسوليها و مشرديها ، ببائعيها المتجولين و
بشبابها العاطل . تبدو الشماعية ضيقة صغيرة في عيون الكثير والذين تطرق مسامعهم كل
يوم حكايات حزينة عن بؤس مرافقها الصحية و عن شح وسائل نقلها العمومية و شح في
حدائقها و ارتفاع في منسوب ظواهر الانحراف و احتلال أملاكها العمومية
وانعدام مراحيضها العمومية و فوضى في حركة السير و الجولان و اختناق شوارعها
و في ممراتها.
و سواء كبرت المدينة
او صغرت فان الواقع الذي نقطع بصحته هو ان كل شيء فيها تغير وأصبحت حديث العجائب و
الغرائب، مدينة المتناقضات والمفارقات ، مدينة تشرع ذراعيها للجميع لا تلفظ
أحدا حتى انها صارت كخلية نحل تموج حتى الثمالة بأصناف و بنماذج بشرية المختلفة
اطيافهم و سحناتهم و لهجاتهم . منهم من يرفل في النعيم و منهم من يشكو شظف العيش و
ضنكها .
صحيح ان المدينة اكتسى
وجهها علائم الاشراق و الرفاهية و التمدن و البذخ الا ان جسمها تلفه ملامح البؤس و
الحرمان و الوجع و الشقاء ، مدينة تغص بالعاطلين و السماسرة و المتسولين و
المتسكعين والمنحرفين . ان للمدينة طوايا و اسرارا لا تفصح عنها الا لمن
لازمها زمنا طويلا .
في بعض
الأحيان يعتري نفسي الملل اشعر ان المدينة اضيق من ان تحمل جسمي و ذلك
بسبب الزحمة و تدافع المناكب و جلبة السابلة و صياح البائعين و صوت أبواق السيارات
وعوادمها و حشرجاتها التي تملأ الأذن و تقبض النفس ن حينئذ لا اجد مفرا من ان
يتجافى عن كل ذلك فافزع اما الى دروب المدينة القديمة لأسري عن نفسي بجولة أو اشق الطريق
نحو سبخة زيما لانعم بجلسة وادعة و اعب من فتنة المشاهد الساحرة على امتداد
أحواضها خاصة إذا صفا الافق .
يحلو لي ان احمل قلبي
و الم عقلي لاختراق دروب مدينة الشماعية التي لا تتميز بشكل هندسي معين بل تتفاوت
ضيقا و سعة و اعوجاجا :”حي المسيرة ، حي السرسار ، درب السمار … باستثناء تجزئة
مكاديم .
يحلو لي ان أذرع
متمهلا أرجاءها الملتوية و اتوغل في متاهاتها ، يطيب لي أن أترجل فيها من غير أن
تضايقني المناكب او يستبد بي الصخب و الضجر خاصة في الصباح الباكر.
مدينة الشماعية كما
وصفها لي أحد أبنائها كانت في الماضي جنة الله في أرضه : ملعب الكولف ،
الغابة المترامية هنا وهناك ، الورود منتشرة في الحدائق ، الأشجار مصطفة في نظام
بديع ، المياه الرقراقة و العذبة في كل الجنبات ، كل ما فيها يسكن النفس فتنتشي و
تسمو العين في انشراح الى كل ما يتراءى لها من هضاب و سماء و ماء .
هنا يطوف البصر مشدودا
و يتطلع الفؤاد مأخوذا و تتيه النفس ذهولا ، اما الان و العهدة على الراوي كل ما
في الشماعية ينفر و يعبس و حيثما وليت وجهك إنقلب إليك البصر خاسئا من فرط ما
تعرفه من إهمال و تهميش و نكوص و جحود
الكاتب ..ذ/ مصطفى فاكر الشماعية .