يرى الخبراء و المهتمون و كافة الفاعلين و المحللين أن تاريخا مشرقا سيكتب للبلد في خضم معاناة جائحة كورونا ، و أن مفاهيم هذا المستقبل الجديد و ملامحه و اختياراته و اتجاهاته تنسج الان في ظل هذا الربيع الكوروني العالمي بكل قساوته و عنفه و فظاعته و شيوعه ، و ما ترك الناس مجالا إلا خاضوا في التنظيرله بشتى الوسائل المتاحة لهم ،كتابة مقالات و برامج إعلامية ،ندوات سياسية و دورات تكوينية ،حملات تحسيسية و تضامنية عبر ما استجد لهم من تطبيقات التواصل المرئي عن بعد ، و هكذا قالوا في الاقتصاد ما بعد كورونا ، السياحة ما بعد كورونا ، العالم القروي ما بعد كورونا ، المسـألة الإجتماعية ، المجتمع المدني و الحريات و تكافؤ الفرص ما بعد كورونا. و كل شيء مما سينضج بشكل أفضل معالم النموذج التنموي الجديد الذي ننتظره من أجل مغرب جديد قوي و صاعد ؟؟؟
و في هذا الاتجاه أطرح اليوم سؤالا أراه لم يحظ بالاهمية اللازمة في النقاش العمومي كالعادة رغم كونه الاس و الاساس في كل شيء ، ألا وهو سؤال الطفل المغربي في زمن ما بعد كورونا. كيف حال طفولتنا قبل هذا الوباء و كيف حالها خلاله ؟ ماذا أعددنا لحل إشكالاتها المزمنة و المتفاقمة خلال و بعد كورونا ؟ ما يلزم ذلك من تصورات سياسية و مشاريع تنموية و تشريعات قانونية و إمكانيات ؟ ماهي الجهات القطاعية و مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي ستكون مسؤولة عن أجرأة تلك السياسات الجديدة و بأية كفاءة و مردودية و عدم تداخل ؟ أية ضمانات ستقطع بها مع ما عرفته و تعرفه من تضارب و تقاذف المسؤوليات بينها . الشيء الذي يستديم الازمة و العجز و التدني في هذا المجال الحيوي الذي يرهن حاضر و مستقبل البلاد وهو رافعة الروافع ؟؟؟
و رغم كل ما تعرفه بلادنا من الجهود التربوية الجبارة و التراكم التشريعي و التنموي في مجال الطفولة فإنه و كما وقف على ذلك الجميع أيضا ، فإن أزمة كوفيد 19 قد بينت لكل المعنيين و المتتبعين إشكالات حقيقية و اختلالات عميقة التي تنبغي للسياسات العمومية الحالية و التدخلات المجتمعية الحالية و المستقبلية تداركها و معالجتها بشكل جاد و حاسم و مسعف و أجمل بعضها في ستة أولويات و هي كالتالي :
1/ الطفل و الصحة :بما فيها الصحة العلاجية و الصحة النفسية و الفكرية و القيمية إلى غير ذلك فكيف لنا بأن نربي أجيالنا الناشئة تربية متزنة غير مضطربة..وسطية غير متطرفة..حوارية غير مكرهة..سليمة و متكاملة . كيف لنا أن نعمق فيهم غرس مفهوم الوقاية خير من العلاج و نوفر لهم في البادية كما المدينة ما يحافظون به على عادة الغسل و الطهارة و الاستحمام و الترويح.. أين نحن مما يرتبط به ذلك من تغدية كافية و متوازنة و تربية صحية تحسيسية وقائية ، و سكن لائق غير ضيق ،غير البراريك و “الكاراجات” التي يلفها الدخان الخانق و تحيط بها البرك الاسنة ؟ أين نحن من مستشفيات جامعية جهوية و اقليميةصديقة للاطفال و على ما تتوفر من تخصصات و تجهيزات و كفاءات و حسن معاملات ؟ اين نحن من العيش الكريم و البيئة النظيفة التي يتوفر فيها التطهير و الماء الصالح للشرب و تنعدم فيها كل مظاهر التلوث المدمرة للطبيعة البشرية ؟؟؟
2/ الطفل و الاسرة :لقد توجهت بعدما أغلقت كورونا في وجه الاطفال كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية إلا الاسرة لتعيد لها مكانتها الاساسية و المحورية باعتبارها الحضن الطبيعي و المرفإ الدافئ في المجتمع ، ولكن كيف حال أسرنا مع المتعاقب عليها من سياسات التفقير و الاقصاء و الهشاشة؟ كيف هي مع مظاهر التفكك الاسري و الطلاق و الخلافات الزوجية و التوتر و معاملات القاسية و التهرب من المسؤولية ؟ و كيف هي مع الاهمال و الاستلاب و غير ذلك مما ينعكس على المجتمع و يشيع فيه مظاهر انحرافها و انحرافه من مخدرات و عصابات و شبكات … ؟ كيف هي مع نموذج الاسر المنحرفة للامهات العازبات و رهطهن و الزواج العرفي الرضائي و ما يحيد عنه من مقاصد و يهدره من حقوق ؟ هل مع هذا سنضمن شيئا من ادوار الاسرة الشرعية المتماسكة ذات هوية و مرجعية و قيم الانتماء و المسؤولية ن وهل بهذا سننمي قيم السكن و السكينة و المودة و الرحمة و الرعاية و الحماية و الخدمات أو على الاصح كيف يمكننا أن نضمن تحقيق و تنمية ذلك ؟؟
3/ الطفل و التعليم : اتحدث هنا بالاضافة الى المشاكل التعليمية المزمنة و المستفحلةكاشكالات الجودة و المردودية و ملائمة المدخلات للمخرجات ،أتحدث عن هذا الذي تفجر خلال هذه الازمة الكورونية دون سابق انذار و هو التعلم عن بعد و الذي من الان فصاعدا سيفرض و لا شك مكانه في المنظومة كما في غيرها من المنظومات ، و لكن من يفتح ورشه بشكل جاد و كل شيء فيه منعدم أو يكاد : المفهوم .. البرامج .. المحتوى .. اللوجستيك ..وسائل الولوج ..اوجه الاستثمارات التربوية الممكنة ، خاصة بعدما راينا فئات واسعة من الاطفال و الشباب بل حتى الاباء و الاساتذة كلهم في قاعة الانتظار و على امتداد الازمة و خاصة في العالم القروي . من هنا السؤال: هل سنعافس هذا الورش دراسة و تكوينا.. انتشارا و تعميما ..جودة و مجانية ،كما عافسنا غيره من اوراش تعميم خدمات الماء و الكهرباء و النظافة ؟؟ لابد من الخطوة فهي االكفيلة بتجاوز كل هذه السطحية المعلوماتية و استعمالاتها في السخرية و العبثية المتفشيةن مما يحول بيننا و بين طفولة مغربية معلوماتية دراسة مبدعة لعصرها مواكبة على أوسع نطاق.
4/ الطفل في وضعيات صعبة : وضعية التشرد في الشارع ،وضعية الادمان على المخدرات و التدخين ،وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وضعية التعثر و الفشل الدراسي ،وضعية الاستغلال الاقتصادي و الجنسي،وضعية الخادمات القاصرات في البيوت و قبلها وضعيات الاطفال (ايتام الارامل و المطلقات بدون نفقة ) و رهط الامهات العازبات و نزلاء مراكز الحماية و المؤسسات الخيرية ، أضف الى ذلك الوضعيات الصعبة لطفولة العالم القروي المتمدرسة و غير المتمدرسة ،المحرومة من البنيات التحتية و فضاءات اللعب و الترويح ، بل حتى المواهب و المتفوقين الذين لا يجدون بيئة تتفطن لمواهبهم و تفوقهم و تعمل على دعمهم و تشجيعهم هم في وضعية لا يحسدون عليها ؟؟.
لا مستقبل لطفولة المغرب دون تظافر الجهود للتخفيف من هذه الوضعيات الصعبة و الحيلولة دون استفخحالها ان لم يكن القضاء عليها من جدورها ، وهذا جد ممكن حيث راينا أن الدولةخلال جائحة كورونا قد طهرت الشوارع و المحطات من كل هذه النتوءات و في رمشة عين رغم ما كنا ندعيه من قلة الامكانيات و التفريط في المسؤوليات .
5/ الطفل و القيم الاخلاقية و الوطنية :بدل الشائع و المعتاد في صفوف ناشئتنا من بعض قيم “أكل الغلة وسب الملة ” و فحش لمز و همز الوطن و المواطن و لعن الدين و الوالدين ، و تخريب للملك العمومي و تدمير المرافق و مدرجات الملاعب ، العنف الذي اصبح يذوق من أشكاله و ألوانه حتى الاصول و الفروع و الاساتذة و الاصدقاء. طفولتنا تحتاج الى غرس ما تفجر خلال جائحة كورونا من قيم المواطنة العالية و التماسك الاسري و التضامن الاجتماعي و الكلمة الموحدة بين العرش و الشعب و السلطة و المواطن و تعاون الجميع على خدمة هذا الوطن و إنقاد السفينة و حماية ركابها ، قيم التقدير و الاقتداء بجنود الواجهة خلال المعركة من الاطباء و الاساتذة و رجال السلطة و الامن بدل غيرهم من نجوم السطحية و الظرفية ، قيم البحث العلمي و الاجتهاد في الدراسة و القطع مع الكسل و الغش و الرغبة في الكسب و النجاح دون عمل ، القيم الاخلاقية التي أحنت الاباء على الابناء و اعطفت الابناء في الاباء و القيم الروحية التي الجأت الخلائق الى خالقها تدعوه كشف الغمة برفع الوباء و البلاءو العناء و التعجيل بالفرج و السرور و الشفاء و الهناء. قيم المسؤولية الاجتماعية التي طهرت الشوارع و المحطات في رمشة عين مما كانت تعج به من الاطفال المشردين و المتسولين و المدمنين و اوت و اطعمت الفقراء و التائهين و المساكين و اللاجئين. فباي حق قد يتلاشى كل هذا الانجاز الرائع بعد كورونا و قد أتبتث الجائحة أنه رغم ضراوتها فبشيء من العزم و الحزم كان بالامكان أكثر مما كان .
6/الطفل و الحق في اللعب و الترفيه: لقد عاش الطفل المغربي على امتداد الحجر الصحي ضغوطا نفسية حقيقية و رهيبة: الخوف من المرض ..الهلع .. الخوف من المجهول ..الدراسة عن بعد .. الاحتكاكات الاسرية ..الانقطاع عنالاصدقاء..قتامة القصف الاعلامي .. و لم يكن يخفف عنه إلا سعة صدر الاباء و عطف الامهات و فيض عطفهم و حنانهم و لم يكن يخفف عنه الا ما جادت به عليه العديد من الجمعيات التربوية من ترفيه تربوي و تنشيط رياضي عن بعد على شكل أناشيد و العاب و مسابقات فنية رياضية و ثقافية و مسامرات تعبيرية وجدت تفاعلا و استحسانا كبيرين لدى كل من تمكنوا من وسائل الولوج و الاستفادة و الافادة ، مما يطرح خصوصيات الطفل و حاجياته على الطاولة من جديد ، ليس حقوق الراذعاية و الحماية فحسب بل أيضا الحق في حرية التعبير و المشاركة في التغيير و الحق في اللعب و في الترفيهكحاجة سوسيوتربوية و نفسية تعليمية . فكم نحتاج له من فضاءات ترفيهية و جمعوية و مخيمات و حدائق و العاب و مكتبات حديثة شاملة و قاعات متعددة الاستعمالات و دمقرطتها ؟ فان يعيش اتلطفل المغربي مستقبلا بكل النقص المسجل في هذه المجالات معناه أن نديم عيشه و عيش الوطن ربما في عهد كورونا أو في أحسن الاحوال في عهد ما قبل كورونا و هما امران أحلاهما محبط ب..بل أحبط من محبط