استدامة الخبرات في قطاع التمويل الصغير بالمغرب: تحديات التقاعد واستراتيجيات التعويض
يطرح التقاعد المتوقع لكبار القادة والخبراء في قطاع التمويل الصغير في المغرب تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات محكمة للحفاظ على استمرارية الأثر الإيجابي لهذه الخبرات المتراكمة. وفقًا لإحصائيات رسمية ودراسات حول الهيكل العمري للقوى العاملة في المغرب، فإن التقاعد المتوقع لعدد كبير من المهنيين خلال العقد القادم، بمن فيهم قادة ذووا خبرات طويلة مثل محمد لحسيب بن شقرون، يشكل تحدياً ملموساً في هذا القطاع.
نظرة على الأرقام: موجة التقاعد المرتقبة وتأثيرها
تشير تقارير إلى أن حوالي 7% من الموظفين في المغرب سيحالون على التقاعد خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يعادل أكثر من 43,000 موظف حتى عام 2025، مما يشمل قطاعات متعددة، وأبرزها القطاعات الحيوية مثل التمويل الصغير والتنمية الاجتماعية. في قطاع التمويل الصغير، يمكن القول إن هناك شريحة مهمة من الخبرات التي قد تغادر الميدان قريبًا، حاملةً معها تجارب طويلة ومعرفة عميقة بسياق العمل المحلي والتحديات التنموية الخاصة بالمجتمع المغربي.
وفي مؤسسة “الأمانة للقروض الصغرى”، التي تُعد من أكبر المؤسسات في هذا القطاع، يُتوقع أن يشهد العقد القادم إحالة جزء كبير من موظفيها على التقاعد، وهو تحدٍ كبير نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من هؤلاء الموظفين يشغلون مناصب قيادية وإدارية، ويتمتعون بخبرات متراكمة تجعلهم العمود الفقري للمؤسسة.
تأثير فقدان الخبرات على القطاع التنموي
إن إحالة هذا العدد من القادة والخبراء إلى التقاعد يحمل تأثيرات متعددة على القطاع التنموي. فقد أظهرت بعض الدراسات العالمية أن فقدان الموظفين ذوي الخبرات الطويلة يمكن أن يؤدي إلى تراجع في الإنتاجية، نظراً لاعتماد مؤسسات التمويل الصغير على المعرفة المتراكمة والتواصل الشخصي. كما أن غياب هؤلاء القادة قد يؤدي إلى بطء في اتخاذ القرارات الاستراتيجية وزيادة التحديات التنظيمية، إذ غالبًا ما يكون لديهم دور محوري في الربط بين المستويات الإدارية المختلفة.
أهمية التعويض: كيف يمكن تجاوز هذا التحدي؟
برامج التوجيه والإرشاد لنقل المعرفة:
في المغرب، أظهرت مبادرات التوجيه والإرشاد نتائج إيجابية، حيث تشير بعض التجارب إلى أن اعتماد برامج التوجيه والإرشاد الداخلي يساعد في تحسين كفاءة الموظفين الجدد ، وبالتالي يمكن لبعض المؤسسات النشيطة في مجال القروض الصغرى تبني هذه البرامج لضمان نقل المعرفة من القادة المتقاعدين إلى الجيل الجديد.
إشراك المتقاعدين في برامج استشارية:
تشير بعض الدراسات الدولية إلى أن إشراك المتقاعدين كمستشارين يسهم في الحفاظ على الأداء المؤسسي، مما يجعل المؤسسات قادرة على تقليل فقدان المعرفة وضمان استمرارية العمل بجودة عالية.
بناء قواعد بيانات معرفية:
تعد قواعد البيانات المعرفية وسيلة فعّالة لتوثيق الخبرات، وقد أظهرت بعض التجارب أن الشركات التي تعتمد على قواعد بيانات للمعلومات والتجارب تقلل من خسائرها المرتبطة بتقاعد الموظفين. يمكن لمؤسسات التمويل الصغير إنشاء مكتبات رقمية تتضمن تجارب ودراسات شارك فيها القادة المتقاعدون لتكون مرجعًا للموظفين الحاليين.
تعزيز التدريب المستمر:
أثبتت الأبحاث أن الاستثمار في التدريب المستمر يساعد على تقليص الفجوة المعرفية الناتجة عن التقاعد. حيث تركز المؤسسات التي تسعى لتطوير موظفيها من خلال برامج التدريب المستمر على إعدادهم لتولي مناصب قيادية، مما يسهم في تعويض غياب الخبرات المتقاعدة.
يظل قطاع التمويل الصغير حيويًا لمستقبل الاقتصاد المغربي، حيث يدعم آلاف المستفيدين ويعزز الإنتاجية في المجتمعات محدودة الدخل. تشير تقارير إلى أن المغرب يحتل المرتبة الثانية عربيًا من حيث القروض الممنوحة من قبل مؤسسات التمويل الصغير. وتعزز مثل هذه المؤسسات فرص العمل وتدعم الإنتاجية في المجتمعات المحدودة الدخل، مع توفير حلول اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق.
وتشير تقديرات إلى أن القروض الصغيرة التي توفرها مؤسسات مثل “الأمانة” ساهمت في خلق فرص عمل وتحقيق تأثيرات اجتماعية إيجابية، مما يجعلها جزءًا مهمًا من استراتيجيات التنمية الوطنية. ومع ذلك، فإن عدم التخطيط لتجاوز تحديات التقاعد قد يهدد استمرارية هذه الإنجازات، وقد يؤدي إلى تراجع في عدد المستفيدين نتيجة لضعف القدرات الإدارية والخبرات المتاحة.
مع توقعات موجة التقاعد القادمة، يصبح الحفاظ على استمرارية الخبرات مسألة ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة. إن الخطوات الاستباقية، مثل إشراك المتقاعدين في أدوار استشارية، وتفعيل برامج نقل المعرفة، وإنشاء منصات معرفية، يمكن أن تشكل دعائم قوية لتعويض غياب القادة والحفاظ على استقرار المؤسسات.
محمد لحسيب بن شقرون: المدير الجهوي للجهوية الثامنة الجديدة في الأمانة للقروض الصغرى وأحد رموز القيادة الاجتماعية بالمغرب
يُعد محمد لحسيب بن شقرون، المدير الجهوي للجهوية الثامنة الجديدة التابعة لمؤسسة الأمانة للقروض الصغرى، شخصية بارزة في عالم التمويل الصغير في المغرب. منذ انضمامه إلى الأمانة، استطاع بن شقرون أن يجسد نموذجًا للقائد المتفاني في خدمة المجتمع، حيث نجح من خلال نهجه الميداني وخبرته العميقة في تحويل الجهوية الثامنة إلى منصة متكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
بداية المسار: من مراكش إلى ريادة التمويل الصغير في المغرب
وُلد محمد لحسيب بن شقرون في مراكش عام 1965، وبدأ مساره المهني مع وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)، حيث اكتسب خبرة في المشاريع التنموية. وقد انضم لاحقًا إلى مؤسسة الأمانة للقروض الصغرى ليصبح مديرًا للجهوية الثامنة الجديدة، ويساهم في تطوير القطاع من خلال تبني نهج شامل يدعم المستفيدين من القروض بشكل مباشر.
استراتيجية بن شقرون في القيادة: جولات ميدانية وتواصل مباشر مع فرق العمل والمستفيدين
يحرص بن شقرون على التواصل المباشر مع المستفيدين وفرق العمل، ويقوم بجولات ميدانية دورية لتعزيز العلاقة بين مؤسسة الأمانة والمجتمعات المحلية. هذا النهج أسهم في بناء الثقة وتعزيز التعاون داخل الجهوية الثامنة الجديدة ، حيث اضحت هده الأخيرة تمثل نموذجًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. استطاعت مؤسسة الأمانة أن تموّل العديد من المشاريع الصغيرة التي تساهم في توفير فرص عمل، وتحسين مستوى معيشة الأسر، وتعزيز الاقتصاد المحلي؛ الشيء الدي يعيد للأدهان سؤال كيف يمكن أن نعوض مثل هده الخبرات التي يتوفر عليها أمثال هؤلاء القادة و كيف يمكن أن نستفيد منهم في مرحلة ما بعد التقاعد .