أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » في الأنموذج البيداغوجي لتدريس الأطفال في وضعية إعاقة إشكال الخطاب والتحديات”الجزء الثاني “المدرسة  الدامجة نحو  الانتقال إلى بارديغم  بيداغوجي دامج   

في الأنموذج البيداغوجي لتدريس الأطفال في وضعية إعاقة إشكال الخطاب والتحديات”الجزء الثاني “المدرسة  الدامجة نحو  الانتقال إلى بارديغم  بيداغوجي دامج   

تماشيا مع هذا السياق الدولي الذي يشدد على ضرورة دمج جميع الأطفال في التربية المدرسية  ويراهن على كسب رهان الانصاف والادماج في التنمية والارتقاء بالفرد وبالمجتمع سعى القائمون على السياسة التربوية الوطنية الى مسايرة التشريعات والاتفاقات الدولية والى تبني المقاربات البيداغوجية المتجددة في التدريس والى اتباع المناهج الحديثة في تدبير المؤسسات التربوية

ولقد دفع الحرص على استدماج القيم الحقوقية الكونية من قبيل الانصاف وتكافؤ الفرص في الاستفادة من خدمات المدرسة المغربية الى تبني مقاربة التربية الدامجة

فقد قامت وزارة التربية الوطنية باعتماد مخطط يسعى  الى اعمال مبدأ الانصاف وعدم التمييز باعتبارهما حقوقا أقرتها المواثيق الدولية والدستور المغربي والتي أكدت عليها الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015-2030

وظلت المدرسة المغربية تحاول السير على أثر هذه السيرورة التطورية وتوج الأمر بجعل التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة ضمن المشاريع الملتزم بها أمام ملك البلاد [1]ثم ببلورة الإطار المرجعي لهندسة المناهج الدراسية لصالح الأطفال في وضع الإعاقة كما  تم إطلاق برنامج التربية الدامجة لفائدة الأطفال المعاقين رسمياً من العام الدراسي 2019-2020 تحت شعار المدرسة المواطنة الدامجة.

وقد جاء إصدار القانون الاطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين[2] وبعده القرار 47.19 بشأن التربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة ليقدما الاطار التشريعي والتنظيمي الضابط لنظام مدرسي دامج [3]

كما تم إصدار سلسلة من الوثائق والمذكرات التنظيمية المعنية بتيسير إجراءات الدمج المدرسي للأطفال في وضعية إعاقة

وبمراجعة أولية لمجموع هذه الوثائق والدلائل المؤطرة للمنهاج الدراسي المغربي وللممارسة التربوية والتعليمية داخل المدرسة المغربية نجدها تثير مجموعة من الإشكالات التي تجعل  نجاح المؤسسة التعليمية في تحقيق الدمج لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة رهينا بتوفر منظومة من الاشتراطات من قبيل

  • ضمان الحق في التسجيل والاستفادة من خدمات المدرسة العمومية
  • الحق في التوفر على ملف طبي يتيح معطيات وافية ودقيقة حول وضعية الإعاقة وتطورها
  • وضعية – حقوق والتزامات المتدخلين والفاعلين في الدمج المدرسي وخاصة مرافقي الحياة المدرسية
  • معايير ومؤشرات جودة البنية المدرسية المستقبلة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
  • تكييف البرنامج التعليمي والتربوي لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة وفق مشاريع فردية وجماعية
  • تكييف التقويمات والامتحانات الإشهادية لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة
  • وكلها إشكالات حقوقية وإنسانية وتربوية وبيداغوجية جاءت النظم التشريعية والتنظيمية المغربية بطموح عال لملامستها وتأطيرها وتحديد سبل أجرأتها في إطار سياسة تربوية طويلة النفس ورؤية تدبيرية متقدمة للمؤسسة التعليمية تسعى إلى التقليص من حدة الهدر الاجتماعي والتربوي وبلوغ مؤشرات النجاح الملتزم بها على المستوى الدولي .
  • سيكون إذن سؤالنا المركزي والأساسي ماهي المنطلقات النظرية والمفاهيمية والخلفيات الأساسية للتربية الدامجة ؟وكيف تم التحول والانتقال في ظل السياسة التربوية إلى تبني مقاربة التربية الدامجة ؟ وما هي محددات هذا التحول في الباراديغم التربوي ؟

أسس الانتقال الى باراديغم أنموذج  التربية الدامجة

  • أي نموذج تربوي وبيداغوجي يمكن من استيعاب جميع الأطفال دون تمييز في مؤسسة تعليمية وهل بالإمكان التحول من مفهوم التربية والتنشئة والتعليم التقليدي المتعارف عليه الذي ظلت ولازالت المدرسة تترجمه كوظيفة أساسية تقدم للأطفال القادرين على التعلم والاكتساب والمؤهلين للتغير والارتقاء وجدانيا وسلوكيا الى مؤسسة تعليمية حاضنة لجميع التلاميذ وخاصة من هم في وضعية إعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة
  • ووفق أي اشتراطات وترتيبات سيمكن تأسيس هذا النموذج وتفعيله بالشكل الذي يتيح التمكين التربوي واندماج هذه الفئة في الحياة المدرسية كمنطلق للتمكين الاجتماعي

الأساس الحقوقي    في  التمكين الاجتماعي والتربوي

لقد أدى الالتفات إلي الأهمية البالغة لمفهوم رأس المال البشري  ودوره في نهضة المجتمع وتقدمه إلي إعطاء ,الاولوية  لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة, و تأهيلهم وتعليمهم وإدماجهم في مجتمعهم كقوى منتجة وفاعلة.

ومن بين أهم تمظهرات الاعتراف المجتمعي بحقوق الاطفال في وضعية إعاقة هو ادماجهم في مسارتعليمي ملائم .وقد برزت قضية الدمج الاجتماعي و الأكاديمي كاستراتيجية تربوية بديلة أصبحت معظم بلدان العالم المتقدمة تأخذ بها , بأمل أن يؤدي تفهم أوضاعهم إلي قبولهم ومراعاة احتياجاتهم المتنوعة في المدارس والمجتمع عامة , بهدف التمكين الاجتماعي لهم

  • يمكن تعريف التمكين الإجتماعي الطريقة التي بواسطتها يتم مساعدة الأفراد والجماعات والمجتمعات أن تتحكَّم في ظروفها، وتستطيع إنجاز أهدافها، وهكذا تكون قادرة على العمل لمساعدة نفسها وغيرها على زيادة مستوى معيشتها، بالتركيز على نقاط القوة للسيطرة على الموارد بزيادة المشارَكة في الأعمال المجتمعية [4]
  • على أنه محاولة تنمية قدرات و مهارات ذوي الإحتياجات الخاصة من خلال التدريبات و الأنشطة المختلفة بشكل يجعلهم قادرين على المساهمة في جميع المجالات كباقي أبناء المجتمع  ،و هذا المفهوم يدعو إلى تغيير نظرة أبناء المجتمع إلى المعاقين ،و بدلاً من اقتصار دورهم على مجال معين أصبح من الممكن تأهيلهم ،و إعدادهم بشكل مميز ليشاركوا في مختلف المجالات .7

يركِّز على إعادة الترتيب أو التغيير الجذري للقيم والمعتقدات المرتبِطة بصنع القرار، ويتضمَّن إعطاء الأمل في إحداث تغييرات وتحوُّلات في مؤسسات المجتمع، تعزيز حرية الجماعات والكرامة والحُكم الذاتي، والتمكين الاجتماعي يزيد من الإحساس بالمسؤوليَّة الاجتماعية.

التمكين التعليمي: يركِّز على تنمية الموارد الإنسانية من خلال الفَهم الكامل للنَّسَق التعليمي، ويكون دور الخدمة الاجتماعية هو تنمية القدرة على المشاركة في صياغة وتنفيذ السياسة التعليميَّة على مستوى الماكرو، أما على مستوى المجتمع تعمل الخدمة الاجتماعية على مواجهة مشكلة التسرُّب من التعليم، محو الأمية، إعداد المشاريع التعليمية

مبدئيا عندما نتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام , فإننا نتجه إلي التركيز على ربط هذا المفهوم بالاعاقة من منظور يركز الاهتمام على الفرد ذاته وما لديه من مميزات وقدرات خاصة, بدل تلك النظرة السلبية  للإعاقة  التي لطالما سادت علي أنها عاهة, مما ساهم في عزلتهم وتهميش دورهم وإلصاق المسميات السلبية بهم  لأزمنة  طويلة الى حدود القرن العشرين  الذي شهد تطورا  في مقاربة مفهوم الإعاقة  .
إن ضمان تعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة في النظام المدرسي العادي والمنصف وفي بيئة امنة توفر الولوجيات المادية والبيداغوجية التي تتطلبها وضعية هذا الطفل بعد أن ظل المطلب المرغوب  الذي ينادي به  أولياء الأمور و الهيئات الحقوقية  ، صار مبدأ معظم أنظمة التعليم الحديثة ، وهومبدأ تم إدراجه  والتشديد عليه في الاتجاه نحو سيرورة التربية الدامجة

مبادئ العدالة والإنصاف والتمييز الإيجابي

بالنظر الى المرتكزات الأخلاقية والفلسفية يعتبر تمتيع الأطفال بحقهم في التمدرس ضمن فضاءات عادية أمرا أخلاقيا ينم عن احترام قيم إنسانية نبيلة، ومنها تقدير الناس وتثمين إمكانياتهم كيفما كانت قيمة تلك الإمكانيات. وتجد التربية الدامجة أيضا مرتكزاتها في مبدأ الإنصاف والعدالة [5]

اسهمت الحركات الإنسانية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني في الدفع إلى تبني مقاربات جديدة في مجال الحق في التعلم وفق مبادئ العدالة الاجتماعية، ونبذ الإقصاء، واحترام الاختلاف، وتعزيز مفهوم المواطنة والعيش المشترك. وتستمد التربية الدامجة تصوراتها من هذه المبادى التي توجد في صلب المواثيق والاتفاقيات الدولية. [6]

مبدأ المدرسة للجميع: وهو مبدأ يركز على حق كل طفل في أن يجد له موقعا داخل المدرسة، كيفما كانت هويته الثقافية أو الاجتماعية أو الصحية. إذ على المدرسة أن تتسع لكل هذه التنوع والتعدد، وأن تنآى بنفسها عن الرفض والإقصاء.

مبدأ الحق في جودة التعلم: إن التربية الدامجة لا تراهن على حق التعلم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم الأطفال في وضعية إعاقة فقط، بل كذلك الحق في جودة التعلم، مما يستلزم الاجتهاد من أجل ألا يكون تسجيل هؤلاء الأطفال شكليا، بل من أجل الحصول على تعليم يضمن وصولهم إلى أقصى ما يملكونه من إمكانيات، وفي ظروف تضمن كرامتهم.

يحيل هذا المرتكز على حاجة اجتماعية أساسية للارتقاء هي الحاجة إلى التناغم والتوازن والأمن.وتسهم التربية الدامجة في ذلك التناغم من خلال حرصها على تنشئة كل الأطفال، على قبول الاختلاف، وأهمية التعاون والعيش المشترك من خلال العلاقات التي ينسجونها داخل المدرسة وفصولها الدراسية، وكذا التفاعل الإيجابي الذي يدبره المدرس(ة) وهو ييسر المشاريع البيداغوجية للمتعلمين.

إن تواجد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول عادية هو تربية على المواطنة وعلى العيش في المجتمع مع أشخاص مختلفين لكن لهم الحقوق نفسها ويهيئهم لمرحلة الرشد، وأكثر قابلية للاندماج وتحمل المسؤولية

أما على المستوى الاقتصادي، فقد أوضحت دارسات أن التربية الدامجة أقل كلفة من الناحية المادية، حيث إن تعليم جميع الأطفال في أقسام عادية يفيد في تفادي كلفة إحداث أقسام ومدارس ومراكز مختلفة.

  • الانموذج التربوي والبيداغوجي للتربية الدامجة و تقدير الفروق والتفاوتات الفردية

حري بنا في موضوعنا هذا أن نقترح تعريفا للتفاوتات والفروق الفردية بين المتعلمين يكون متسقًا مع مبادئ  التربية والتعليم الدامج.  ففي دراسته التحليلية, اعتبر برودوم Prud’homme ،التفاوتات بين المتعلمين”تعبيرًا عن الخصائص المرتبطة بالمتعلم التي تحيل إلى التجارب التي عاشها بالفعل والتي رفع تحدياتها من خلال المواقف الجديدة المقترحة عليه في الفصل الدراسي “[7] ولعل الخبرات والتجارب المتراكمة تمنح الطفل مخزونا وقيمة مضافة وميزة عن أقرانه وتؤهله لابداع الحلول لمواجهة المشكلات والصعوبات

هذا التنوع في الفروق الفردية، غير جامد بطبيعة الحال، يتم التعبير عنه من خلال الأذواق و الحاجات و الصعوبات و الاهتمامات و الاستعدادات و الاختيارات و طرق اللقيام بالمهام المتعلقة بالأهداف المرجوة.

لذلك وجب الاعتراف بهذا التنوع في اطار مشروع للنجاح والعدالة الاجتماعية والإنصاف, بغاية تحقيق الارتقاء الفردي والجماعي في السياق المدرسي.

ويقترح الباحث منظوراللاعتراف الايجابي بالتفاوتات والفروق من خلال الموقف الأخلاقي والموقف

الابستمولوجي الذي يشير الى مفهوم التعلم  والموقف الأيديولوجي الذي يؤطره  مفهومنا للمجتمع.[8]

المواقف الثلاث للاعتراف باللاتجانس وتمظهراته في إطار التربية الدامجة  -الباحث-

أولا الموقف  الأخلاقي  للاعتراف بالتفاوتات بين المتعلمين: هذا الموقف الأخلاقي  يتحدد في أن يعترف الفاعل التربوي دون قيد أو شرط بإمكانات كل المتعلمين, وفي قابليتهم  للتعلم  وبالتفاوتات بينهم .هذه التفاوتات ترتبط بما يعيشه المتعلم ويفهمه أثناء المواقف الذي يجد نفسه فيها ، وكذلك بالتجارب التي عاشها داخل أو خارج المدرسة أو بخصوصياته (التصرف العاطفي، والتصرف المعرفي وأساليب التعلم ، والقدرات الفكرية  الذكاءات المتعددة ، والتعلم المكتسب ، ووجود إعاقات جسدية أو حسية أو عصبية ، وما إلى ذلك).

ويتطلب الاعتراف بهذه الاختلافات اسهام كل الفاعلين في تخفيض درجة إحساس المتعلم ذي الاحتياجات الخاصة باختلافه عن أقرانه.  بهذا المعنى، يبدو من الضروري أن ندرك أن جميع المتعلمين يحملون المعنى (حول العالم الخارجي وحول الذات و الموضوع  ,لذا  ففي العلاقة التربوية تتحدد المسؤولية المهنية للفاعل التربوي في السعي لفهم هذا المعنى .[9]

ثانيا  الموقف الابستمولوجي للتفاوتات بين المتعلمين: في السياق البيداغوجي يرتبط هذا الموقف بالاتجاه السوسيوبنائي الذي يسلط الضوء على الدور الحاسم للتفاعلات الاجتماعية والثقافية، في فهم خصائص أو تفضيلات المتعلم. وقد يعتبر تنويع الوضعيات والمواقف التعليمية اهم عوامل بروز التفاوتات بين المتعلمين التي تستوجب إبرازها واستثمارها.وسيعود المقال لاحقا للاتجاه السوسيوبنائي

ثالثا الموقف الاديولوجي: إن ظاهرة التنوع، باعتبارها جزء من مشروع تعليمي للنجاح والعدالة الاجتماعية والإنصاف ، تدعو إلى ثقافة التبادل والاعتماد البيني وبهذا المعنى فقط ، سنضمن إثراء أفكار وموارد وبدائل  المتعلم بغرض تحقيق الاهداف المعينة .

[1] ومن بين هذه المشاريع : مشروع التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة ومشروع تعميم التعليم الأولي كما سنرى  .

[2] سنعرض له لاحقا عند الحديث عن مسار التربية الدامجة بالمغرب .

[3] سنعرض له لاحقا عند الحديث عن مسار التربية الدامجة بالمغرب .

[4] Stephen andrson, Martha, others: “empowerment and social work education in africa” journal of social development in Africa (1994), p78
https://www.alukah.net/culture/0/50206/#ixzz6LqOkDkLq

[5] يختلف هذا المبدأ عن المساواة، إذ يرتكز على التمييز الإيجابي بما يضمن الوصول إلى المساواة في الحق، وليس في العوامل والظروف؛ لأنه إذا كانت المنطلقات متفاوتة، فإن المساواة في الظروف لا يمكن إلا أن تؤدي إلى مخرجات متفاوتة

[6] يشدد المبدأ الحقوق على أن «كل إنسان له الحق في التربية». وبرز الحق في التربة الدامجة ضمن القواعد الإثني والعشرين لتكافؤ فرص الأشخاص في وضعية إعاقة وتنص إحدى هذه القواعد على ما يلي: « الأشخاص المعاقون يشكلون جزءا من المجتمع

 

[7]  Prud’homme, luc, La légitimité de la diversité en éducation : réflexion sur l’inclusion , Université du Québec à Trois-Rivières, Québec, Canada, 2011, p 8

[8] Idem p  9

[9] AKKARI JALIL , A. et GOHARD-RADENKOWIC, A. . Vers une nouvelle culture pédagogique dans les classes multiculturelles : les préalables nécessaires. Revue des sciences de l’éducation, (2002) . P 147-170