أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » رخصة سير على الرصيف

رخصة سير على الرصيف

 

قد نستوعب  فكرة  التقدم إلى الجهات المختصة  بطلب رخصة   بناء أو فتح محل تجاري أو شهادة إدارية  أو حتى رخصة استغلال مؤقت للملك العمومي، لكن من الصعب استيعاب التقدم بطلب الحصول على رخصة للسير  والمرور فوق الرصيف، لسبب  بسيط، لأن الأصل هو  أن يسير المواطن على الرصيف كملك عمومي مشترك، حماية له من مخاطر الطريق، و الطبيعي أن تخصص الطرق لحركة السير والجولان، وفي هذا الإطار نشير إلى طلب غير مسبوق، تقدم به مواطن إلى رئيس  مجلس  الجماعة الحضرية بالجديدة، مـؤرخ بتاريخ الفاتح من شهر شتنبر الجاري، التمس من خلاله تمكينه  من رخصة تسمح له  بالسير والمرور فوق الرصيف من  مقر سكنه إلى مقر عمله، بسبب  ما يعانيه من صعوبات في السير على الرصيف، الذي تم احتلاله بالكامل من قبل  أرباب المحلات التجارية.وإذا ما أردنا أن  نخرج  هذا الطلب الغريب  من البعد الشخصي   والمحلي الضيق، إلى البعد العام، فالموضوع   يضعنا أمام ما تعيشه الكثير من  المدن  من مشاهد احتلال  الملك العام من قبل أصحاب المحلات التجارية  والمقاهي و باعة الرصيف،  أمام مرأى ومسمع السلطات المختصة، بكل ما لذلك من تأثيرات  على  المنظر العام، ومن  تأزيم لوضعية  المجالات الحضرية، ومن  تكريس  للإحساس  بهيمنـة ثقافة  العبث وشيوع  ممارسات الفوضى  وانتهاك  الضوابط القانونية ذات الصلة بالملك العام، فضـلا  عن تعريض حياة  المواطنين إلى الخطـر جراء إجبارهم على تقاسم الطريق مع السيارات والحافلات والشاحنات، بشكل يقوي من فرص  وقوع حوادث السير.الطلب الذي تقدم به مواطن الجديدة، معناه  أن السلطات المختصة لا تقـوم بما يتعين القيام به   على مستوى حماية للملك العام، كما على مستوى الحرص على  تخليص  المجالات الحضرية من كل المشاهد المكرسة للعبث والفوضى، بالشكل الذي يضمن  كسب رهانات مدن نظيفة وأنيقـة وجذابـة، وإذا كان المثل الشعبي يقـول “المال السايب، تايعلم السرقة”، نقول أن   تهـاون المسؤولين المحلييـن أو تقصيرهم أو تقاعسهم، يسيـل لعاب  بعض  أصحاب المحلات التجارية  والمقاهي وباعة الرصيـف، ويدفعهم إلى  الترامي على الملك العام، مستغلين   شيـوع ثقافـة  الأنانية والعبث والفوضى  وضعف  أو محدودية الرقابـة،  إلى درجـة أن هذه الممارسات “غير المواطنة” باتت طبيعية واعتيادية وحقا من الحقوق المكتسبة ، ليس بموجب القانون ،  ولكن بقـوة  الأمر الواقع ، وكأننا نحتكم إلى  قانون، الغلبة فيه للأقـوى  أو لمن  يمتلك “التسنطيحة” أو يجيد “تخـراج العينين”.كل المدن المغربية بدون استثناء، تتقاسم مشاهد العبث وانتهاك  الضوابط القانونية،  من   ترامي على الملك العمومي  خاصة من قبل أرباب المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي، وانتشار واسع  للباعة المتجولين  وباعة الرصيف  وأصحاب الأكلات الخفيفة والعربات المجرورة  بالدواب والكلاب الضالة والبغال والحميــر،  فضلا عن  انتشار الأزبال والنفايات والأنقاض والأتربـة، والنتيجة مجالات حضرية  مرتبكة  يتعايش فيها التمدن إلى جانب البداوة، والجاذبية إلى جانب الرتابة والنفـور، والنظام إلى جانب  العبث  والفوضى، وهذا  الواقع المقلق، يتحمل مسؤوليته  بعض المواطنين الذين  تسيطر عليهم جائحة الأنانية المفرطة والعبث والفوضى، لكن المسؤولية الكبرى تتحملها بشكل أساسي السلطات المحلية المعنية  بتدبيـر الشأن المحلي، والارتقاء بالمدن على مستوى المرافق  والتجهيزات العمومية  والنظافة والبيئة والنظـام، وفي هذا الإطار، وبقدر ما نحيي مواطن الجديدة الذي تقدم بطلب إلى رئيس  المجلس الحضري لتمكينه من رخصة تسمح له بالسير  والمــرور فوق الرصيف، كإجراء إداري حامل لمفردات السخط والتهكم والاستفزاز والسخرية والإحــراج، بقدر ما كنا نأمل أن  يمضي قدما في اتجاه تسجيل شكاية مباشرة ضد الجماعة في شخص رئيسها، من أجل الإهمال والتقصيـر وتعريض حياة أشخاص إلى الخطـر وتشويه  صورة المجال والإسهام  العمدي في أزمـة المدينة، وهي ذات  الشكاية التي يفترض  أن تسجل ضد جميع الجماعات الترابية، التي ثبت تقصيرها وتقاعسها وإهمالها وعدم الوفـاء بالتزاماتها حيال المواطــن.وبما أننا نعيش في لحظة انتخابية، ستؤسس  لمجالس جماعية وجهوية جديدة،  نستغلها فرصة لنوجـه رسالة مفتوحة  إلى جميــع  المجالس المنتخبة جماعيا أو جهويا، من أجل تحمل مسؤولياتها كاملة، في الارتقـاء بمستويات المدن وتخليصها من كافة الظواهر المشينة، حتى نكسب رهان مدن  نظيفة وأنيقـة وجذابـة، وفي الوفـاء بكل الوعود والالتزامات التي وردت في البرامج الانتخابية التي تعد تعاقدات صريحة مع المواطنين، وأن  تكون هذه المجالس على وعي وإدراك، أن الانتخابات  ليست  غاية في حد ذاتها، ولكنها وسيلـة  لخلق أو تشكيل مؤسسات قويـة  قــادرة على الدخول في صلب  دينامية الإصلاح   والانخــراط الناجع  في  الأوراش التنموية المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، والدفاع  عن المصالح العليا للوطـن وقضاياه المصيرية، وقبل هذا وذاك، خدمـة المواطنين والاستجابة لحاجياتهم وتطلعاتهم المشروعـة، ونــرى أن المرحلة، تقتضي  المسؤولية والمصداقية و الاستقامة و نكران الذات وخدمة الصالح العــــام، وهذه القيم الوطنية، لابد أن  تكون حاضرة  في سلوكات وممارسات  المنتخبين الجــدد، لأن الرهانات أكبرى والتحديات أقــوى،  أما المواطنين، فدورهم لا ينحصر في حدود التوجه إلى مكتب الاقتــراع  وممارسة الحق الدستــوري في التصويت، بـل لابـد أن  يستمـر في إطار مواكبة ومراقبة عمل المجالس المنتخبة، من خلال عــرض المشاكل والتقدم بالمقترحات، في إطار المساطر الجاري بها العمل ذات الصلة بتقديم العـــرائض، وبهذا الشكل، يمكن أن نرتقي بمدننـا التي  باتت تقف عند حافــة الإفـــلاس، في ظل حضور منتخبيـن أو على الأقل بعضهم، الذيـن يهدرون الزمن ويستنزفون  القـدرات، من أجل خدمة مصالحهم الضيقـة والاستفادة  مما تجود به الانتخابات من ريــع سياسي مسيل للعــاب، في واقــع سياسي وتدبيري تكاد تغيب فيـه  أسلحـة  “ربط المسؤولية بالمحاسبة” و”عدم الإفلات من العقاب” و”من أين لك هـذا ؟”، وهـذه الأسلحة الفتاكة، وحدهـا القادرة على كبــح جماح العبث وأخواتـه. وفي جميع الحالات، فطلب مواطن الجديدة، ورغم أن الغاية منه تحكمت فيها الرغبة في  التهكم والسخرية والاحراج ،  فهـو رسالة محرجة لكل  “منتخب” يقصر في  أداء المسؤولية، وينقض  العهود والوعـود والالتزامات وأحيانا يخــون الأمانة، فأن نــرى في مدننا صاحب محل تجاري أو مطعم أو مقهى أو بائع رصيف أو صاحب مطعم متنقل يحتل الملك العمومي بدون حسيب أو رقيب، وأن  نتعايش في شوارعنا وطرقنا  جنبا إلى جنب، مــع العربات المجرورة بالدواب والبغال والحمير والكلاب الضالة التي تتقاسم الطريق مع  السيارات والشاحنات والدراجات أمام مرأى ومسمع السلطات، وأن نربط علاقة مهادنـة وتطبيـع مع الأزبال والنفايات والأتربـة والأنقــاض، فهذه لن تكـــون إلا جرائم صامتة في حق المدن  والمواطن على حــد سواء، بل  وفي حق وطن بأكمله، فاليـوم  تقدم مواطن  بطلب  رخصة من أجل السير فوق الرصيف، وربما غـدا، قد يتجرأ البعض، ويتقدم بطلب رخصة من أجل المــرور  عبر  طريق تحتلها الكــلاب الضالة أو يستعمرها باعة الرصيـف، كل شيء ممكن في قاموس العبث وانعدام المســـؤولية،  فاتقــوا الله في الوطن معشر المنتخبين والمسؤوليـن، فالمسؤولية أثقل مما تتصورون والأمانة أخطر مما تتخيلون ..

بقلم عزيز لعويسي المحمدية المغرب