أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » سيميوطيقا تحليل الخطاب القرآني.للكاتب سعيد فرحاوي في حلقات”الجزء الثاني”خصائص تمفصلات الخطاب في سورة الفاتحة.

سيميوطيقا تحليل الخطاب القرآني.للكاتب سعيد فرحاوي في حلقات”الجزء الثاني”خصائص تمفصلات الخطاب في سورة الفاتحة.

بعد التقديم النظري ، الذي طرح بشكل مختصر ، حددت الخطوات المنهجية التي قربتني أكثر من ملامسة شكل بناء المعنى القرآني من منظور سيميوطيقي ، حاولت أن أقحم القراء بشكل تشاركي من خلال تعليقاتهم المتفاوتة والمتباينة ، والتي يمكن حصرها في ملاحظات عامة ، منها ما هو مؤيد ومنها ما هو معترض ، هذه الملاحظات شعبت أنواع التلقي ، مما جعلني أستحضر البعض منها في تحليلي للسور حسب الرؤية المنهجية  المشار إليها سابقا .هنا لابد أن أسجل  أن ما توصلت  إليه اتفق عليه مجموعة محددة ، من أجل تأكيد  صعوبة اختيار الموضوع الذي قد يجر الدارس إلى ما لا يحمد عقباه. دخلت في غمار دراسي صعب الخروج منه ، من جهة أخرى ، وبشكل نسبي وجدت البعض لا يتفق مسجلا أن ما قمت به ليس سوى  عمل متذبذب مخترق منهجيا.في هذا الباب سجلت وبحدة كرد على تعليقات متنوعة ، أنني مازلت في مراحل التقديم ، لهذا يلزم الانتظار قليلا ، أي بعد دخولي  في غمار التحليل ، حتى تكون ملاحظتهم مقبولة علميا، ابستمولوجيا ومنهجيا.هنا سجلت أن صاحب هذا التعليق لم يفهم الغايات المسطرة في الكتاب ، كما لم يلامس العمق المعرفي والبعد المنهجي الذي جعل من تعاملي مع النص القرآني تعاملا سيميوطيقيا محضا.هنا لن أبق أسير التقديم النظري ، مما جعلني أتفق مع الدكتور الشرقي نصراوي ، فيما قدمه في تمهيده لكتاب ( الانشعاب المرآوي للرواية- دراسات سيميوطيقية)*1 ، حيث توقف كثيرا عند البعد التحليلي، متجاوزا المقاربات النظرية ، الذي في نظره ، يسقط الدارس في التيه النظري الشيء الذي يفقده شخصيته العلمية.
بعد إنتهائي من الكتاب سأعود إلى التقديم النظري لأوضح فيه بشكل دقيق كل ما قمت به في دراستي لموضوع اتفق الكل أنه صعب وأن البحث فيه يشكل مغامرة ستصعب على الدارس الخروج منها ، وهي ما جعلت نسبة كبيرة من الدارسين يشتغلون على حقول معرفية مغايرة، ابتعادا على الخطاب القرآني ، تجنبا لما يقال  (تهراس الرأس ) ، أو الابتعاد عن ما يدخلهم في متاهات كبيرة ،
سواء كان الباحث متسما بطابع علمي ، أو متتبعا متعصبا يجعل من القرآن ضوءا أحمر لا ينبغي الدخول فيه ، فيجعلون المغامرة شكلا من أشكال الإلحاد ، أو دارسا فضوليا يدخل في نقاش روحاني غير مرغوب فيه. كما أسجل
دائما على ضوء الملاحظات السابقة  ، خاصة منها المنتقدة أن طرح الفرضيات تشكل شرطا مهما في مجال البحث العلمي ، هنا يلزم  على الدارس أن يخوض غمار المغامرة منطلقا من الحياد التحليلي ، حتى يتجنب الإسقاط ، وهي ملاحظة سجلتها على مجموع  التفسيرات التي اشتغلت على تحليل وشرح و تفسير السور القرآنية ، من جهة ، كما سأسجل أن الاشتغال العلمي يلزم تجاوز كل ما هو خارجي عن الحقل القرآني ، من زاوية دراسة  النص ولا شيء غير النص التي شكلت أهم خطوة سأشتغل عليها في قراءاتني  لشكل إنتاج الدلالة.هذا دون أن أغيب أن الاختلاف مسألة مهمة يجب أن أتسلح بها ، لأنني سأتلقى ردودا متعددة ، منها مؤيدة وأخرى مستنكرة معترضة ، إلى درجة أنها ستدخلني في نقاش عقيم.
هنا أسجل أن عامل التضحية ومسألة ضبط النفس هي عوامل لا بد من الاشتغال عليها ـ إلى درجة أنني سأتسلح بالصبر الذي تكلمت عنه الآيات القرآنية بشكل واضح. كما أسجل أن النص القرآني في مجموعة الآيات فرض بشكل إلزامي على قراءة الخطاب قراءة متأنية ، دقيقة ، وعميقة في نفس الوقت .هنا أسجل أيضا أن عمق الإشكال بين مختلف المسلمين ، خاصة الفئة المتشددة هي من العوامل التي أضرت الإسلام ، بشكل أصبح تمردها وتعصبها يضر بالقرآن وهي لا تعي بطبيعة أعمالها وأفعالها  .هذا النوع من  القراءة هي التي  فرضت علي فهم القرآن ، لأسباب كثيرة ، منها تقريى من مرجعيتي الدينية و تحديد عمق علاقتي بديني ، خاصة أنا رجل مسلم ، أمارس مجموعة من الشعائر، كالصلاة والصيام وغير ذلك .هنا أود أن أقرب القارئ من موضوع ، كثيرا ما طرحته على أصدقائي المقربين ، قلت لهم ، تصوروا معي أن إينتشاين يصلي ويصوم ، ماذا كان سيفعل ؟ هل سيقوم بمثل ما تقوم به مجموعة كبيرة من المسلمين  يشتغلون على إسلامهم اشتغالا عاديا لا يؤدون طقوسهم  الدينية في غياب بحث وتأمل عميق .الجواب ، طبعا لا ، لأن إينشتاين ، سيطبق والحالة هذه ، كل النظريات العلمية لفهم طبيعة علاقته بدينه وبالنص ألذي يؤمن به والذي تؤطره كل العلاقات التي تربطه بنفسه ، بربه وبالناس أجمعين .
تشكل هذه الرؤية أساس البحث ، لأن الغاية تتحدد في ضرورة الكشف عن طبيعة اشتغال الدلالة في الخطاب القرآني ، وتقريب القارئ من العمق التي وظفت فيه كل التمفصلات ، اعتمادا على  النظريات الكونية التي أتسلح بها .  فرضت على هذه الشروط  فهم صيغ التقابل والتباعد ، في مجال الكل اتفق على أنه صعب وصعب جدا والدخول فيه يشكل مغامرة كبيرة .
 تشكل هذه العلامات إشارات أخرى أراها مهمة ، سأطرحها على القراء حتى نتواصل بعمل يتأسس و يبنى  بشكل متوازي ، نرغب جميعا  أن يكون عامل الشفافية والوضوح فيه أهم شرط سيجعل القارئ يواكب معي كل الاشتغالات بشكل ممنهج ، من جهة ، ومن جهة أخرى يظل وفيا للنظرية المحورية التي قلت عنها سابقا بنظرية سيميوطيقا السرد.
هنا لن أعود إلى شرح مفصل للنظرية السيميوطقية ، لأن هذا العمل سيجعل القارئ يجتهد أكثر ليقرأ الدرس السيميائي عبر قنوات خاصة ، الكل يعرفها.
أول سورة سأقف عندها هي سورة الفاتحة.:
 ياسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (1)
ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (2)
ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (3) مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (4)
إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (5) ٱهۡدِنَا
ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (6) صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ
عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا ٱلضَّآلِّينَ. (7)
تتشكل هذه السورة من سبع آيات ، تبدأ تدريجيا في إرسال الدلالة بتفاوت مختلف لمجال الرؤية التي تحدد طبيعة  المتكلم ، كما تحدد ماهية المتلقي بشكل متفاوت. هنا أسجل الملاحظات السيميائية التالية :
– حضور عوامل التواصل بشكل واصح .كما أسجل حضور عوامل السرد حسب التوزيع التالي :
– -عوامل التواصل :
المتكلم الذي يرسل الرسالة هو إنسان متعدد الصفات. ما جعلني أقف عند هذه الخاصية من خلال  ضمير الجماعة/نا ( نحن).
في حين عامل التواصل الثاني يتحدد في ضمير المخاطب : أنت./ الكاف.
الرسالة متعددة :
– الرسالة الأولى : الحمد لله.
– الرسالة الثانية : المخاطب رحيم/ الرحمان.
– الرسالة الثالثة : المخاطب هو الوحيد المعني بالعبادة/ أياك نعبد.
– الرسالة الرابعة : المخاطب يشكل مصدر الاستعانة.
– الرسالة الخامسة : طلب الهداية من المخاطب.
– وهي هداية جاءت مفصلة بمحتويات دقيقة :
– هداية أساسها الصراط المستقيم.
– كما هي هداية في بعدها الأساسي صراط المنعم عليهم.
– فيخرج المتكلم من صراط المغضوب عليهم وأيضا من صراط أهل الضلال.
– تتحقق الآية متمفصلىة بعدة تعالقات مشتركة تجعل من أقطاب الخطاب على تواصل خفي يفيد مرجعيتين :
– 1- مرجعية مباشرة تتحدد في طبيعة الرغبات التي ستشكل برامج سردية لعوامل التواصل فتتحول المهمة من المرحلة الأولى  التي كان فيها القطب الأول مرسلا على مستوى التواصل ، فينظم بذلك النص/ القرآني ، كما يوجه الفعل في علاقة المرسل والمرسل اليه ليصبحا معل أقطابا من خلالهما ترسل الرسالة إلى العموم ، وهذا هو أساس الرسائل، من جهة أخرى تتحول عوامل التواصل من وظيفة الإقناع في علاقته بالمرسل إليه ، ليصبحان معا يؤديان وظيفة جديدة تشترطها طبيعة التحول من حالة إلى أخرى ، التي تتوزع حسب الخطاطة التالية :
– – عامل-ذات..الرسول ومن معه.
– موضوع-القيمة..الهداية+الحمد+الصراط المستقيم.
– -في الوضعية الأولية .. يكون عامل ذات متحددا بشكل  منفصل عن موضوع -قيمته . وهي علاقات أحددها بالعلامة التالية :
– عا-ذات U موضوع-القيمة.( أعني بالرمز انفصال).
– -الرغبة : هي تغيير الوضعية ليصل عا-الذات متصلا بموضوع-قيمته ، فيصبح الحال على الشكل التالي :
– عا-ذات  n مو-قيمة.( أقصد بالرمز علاقة اتصال).
في هذا المجال سأدخل في مجال اشتغال عوامل السرد. مما يجعل القطبين الرئيسين في القول السردي يتمظهران  بصيغتين مخلفتين.
– -في الصياغة الأولى تؤدي العوامل التواصلية أدورا سردية ، لأنها تحكي ، تنظم و توجه كل التفاصيل في الفعل السردي ، كما تؤسس الخطاب في بعده السردي العام.
– الوظيفة الثانية : تصبح العوامل السردية آليات إجرائية تلزم بناء علاقات سردية من الدرجة الثانية ، وهي العملية التي سأجد فيها :
– العامل السردي الأول : الرسول “ص” ومن معه  من البشرية ،يشتغلون  جميعا في إطار إنتاج كلية متداخلة بنائيا  يحددها توظيف الضمير الجماعي / نا الدال على (نحن/ الرسول ومن معه).
– توظيف له محددات متعددة على مستويات الصياغات الفعلية ، مما سيجعل من العامل السردي الجماعي عامل ذات.يتحدد على الشكل التالي :
– – في الوضعية الأولى له موضوع قيمة متحددا بسمة متعددة الأوجه ، كما حددتها سابقا في عناصر كل من :
– *الحمد..+الرحمة+ وحده الله من يعبد+وحده الله من توجه إليه الاستعانة+طلب الهداية+صراط المنعم عليهم ، لا صراط المغضوب عليهم ، ولا صراط أهل الضلال.
– هذه التلازمات هي التي ستشكل البناء النصي على الشكل التالي :
– – عامل –ذات …في مرحلة أولية ينجلي منفصلا عن موضوع قيمته( الهداية +الرحمة+الحمد+ سعيا إلى الصراط المستقيم).
– كل هذه العلامات تشكل صيغا خاصة تحدد طبيعة الموضوع المفتقد التي يسعى عامل الذات تحقيقه أو الوصول إليه ليصبح في عملية اتصال ، ويتحقق التحول من الوضعية الأولية إلى الوضعية النهائية .
– طبعا ليتحقق البرنامج السردي العام عند عامل الذات يلزم حضور مجموعة من القيم الجيهية ،التي أحددها حسب ما يلي :
– – عامل ذات/ الرسول والجماعة التي تؤمن به وتؤمن بالرسالة التي يحملها ويود نشرها على كافة البشرية ،كل هذه المكونات تستدعي، ليصبح عامل الذات الجماعي متصلا بموضوع قيمته   يلزمهما جميعا أن تتحقق فيها القيم الجيهية التالية :
– قيمة  الرغبة : أي أن تكون الجماعة لها الرغبة في الوصول إلى الرحمة والمغفرة والصراط المستقيم . تحضر هذه القيمة في نفس العامل الراغب في التحول من حالة إلى أخرى.
– قيمة الواجب : ضروري أن يكون العامل متوفرا على قيمة الواجب والمعرفة  والقدرة والانجاز ليتحول الفعل من ما قبل الرحمة والمغفرة إلى مرحلة الحلم : يرحمهم الخالق وينعمهم بصراط مستقيم).
– على ضوء هذه التحولات ينجح البرنامج السردي فيتجاوب معه المستهدف في الرسالة ، لأنه يتميز بكل الخصائص الجيهية المطلوبة التي ساهمت في نجاح البرنامج السردي في السورة ككل.