أخر الأخبار
الرئيسية » اخبار » سيميوطيقا تحليل الخطاب القرآني.للكاتب سعيد فرحاوي في حلقات الجزء الاخير..طبيعة تمظهرات الضمير في الخطاب القرآني/ سورة الفاتحة نموذجا

سيميوطيقا تحليل الخطاب القرآني.للكاتب سعيد فرحاوي في حلقات الجزء الاخير..طبيعة تمظهرات الضمير في الخطاب القرآني/ سورة الفاتحة نموذجا

سأتوقف عند الضمير وكيفية اشتغاله في السور القرآنية .هنا أسجل ملاحظة عامة على الشكل التالي :
-يتحدد  الضمير بصفته خاصة، لأنه سيصبح موجها من الخالق/الله سبحانه وتعالى إلى المخلوق/ الرسول “ص”، مثلا:
( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ، نحن نقص عليك أحسن القصص..) الآية 2و3.من سورة يوسف.
الضمير هنا :
*المتكلم هو الله.( أنزلناه).
*المرسل إليه : الرسول.(إليك)
نفس الشيء أجده في سورة مريم : (-إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا.فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين..الآية 96.).
أو في سورة الفرقان/ الآية 31 : (وكفى بربك هاديا ونصيرا.).
كما يستعمل بعض الآيات باستحضار فعل (قل) كخطاب آمر بشكل مباشر لتوجيه الخطاب الى الرسول/ المرسل إليه مباشرة:
‘الآية 87 من سورة الإسراء:
(قل لأن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعضهم ظهيرا.).
أو أجد ضميرا يتحول فيه المتكلم من مرسل إليه إلى مرسل ، فيصبح الرسول بصفته المخاطب / بفتح الطاء إلى مخاطب/ بكسر الطاء ،و يتحول المرسل/ الله ليصبح مرسلا  إليه ، كما هو الشأن في سورة الفاتحة.(إياك نعبد وإياك نستعين).
-كما أجد بعض الآيات اشتغلت على ضمير الغائب ، لكنها اشتغلت بشكل ضمني كرسالة  موجهة  إلى الرسول ، لأن الخطاب القرآني كله موجه من الخالق/ الرب إلى المخلوق/ الرسول ومن معه وللعالمين / المنادى في إرسال الرسالة وتبليغها إلى باقي الناس.مثلا بعض الآيات التي اشتغلت على ضمير الغائب :
-(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين..) سورة الفرقان الآية 31.).
كل هذه الصيغ في توظيف الضمير تحيل على شكل تمظهرات الخطاب ، تسهم في تحديد طبيعة العلاقة بين المرسل والمرسل إليه ، وهي كلها صيغ ذات بعد جمالي تغير المعاني وتنوع أشكال التواصل بين القطبين الرئيسين في الخطاب القرآني.
أسجل في سورة الفاتحة ملاحظة جوهرية تتحدد في طبيعة إرسال الخطاب من الإنسان/ الرسول ومن معه في غياب فعل أمر  (قل) الذي يجعل الكلام موجها من المرسل الحقيقي / الخالق إلى المرسل إليه/ المخلوق ، على أساس أنه تواصل طبيعي مادام أن الآمر هو الله والمأمور بتأدية المهمة/ التبليغ هو الرسول ومن معه.
إن طبيعة الضمير الموظف في سورة الفاتحة ، مع غياب تام لفعل أمر ( قل ) وجوبا ،كما هو متعارف عليه في سور أخرى مثل سورة الكافرون) أو سورة( الفلق) أو سورة( الناس)هو توظيف تتحكم فيه مجموعة من العوامل أحصرها في ثلاث مكونات رئيسية :
– العامل الأول :
-محتوى الرسالة عامة التي تلقاها المرسل إليه الطبيعي / الرسول (ص) وثقل محتواها جعله يفتتح الخطاب بهذا العمق الروحي مناشدا ربه بالحمد ، طالبا منه الرحمة والمغفرة والتوبة ، كما يسعى في طلبه أن يجعل منه في مقام الصراط المستقيم، محددا وحدانية ربه ، بصفته الملك في الدنيا والآخرة ، والقادر على فعل كل شيء.
-العامل الثاني : يتم فعل تكرار سورة الفاتحة بعد انتهاء كل سورة من السور الأخرى استجابة لطلب المرسل / الخالق من مرسل إليه/ المخلوق.بمعنى يمكن بعد كل سورة نستحضر سورة الفاتحة كتعبير عن الاعتراف الروحي في علاقة المرسل بالمرسل إليه، علاقة تعبيرية تحدد طبيعة التجاوب والتفاعل بين الخالق والمخلوق ، وهو تجاوب كله اعتراف تعبيرا بصيغ طلب الرحمة والتوبة والمغفرة ، كذلك هي قيم تلازمية تتضمنها سورة الفاتحة إجمالا.
العامل الثالث : يمكن جعلها خاتمة النص القرآني ، على أساس ان الاستجابة الشاملة للخطاب المتوصل إليه بحمولة تتعدى كل الحدود.
فسورة الفاتحة  ، بناء على تغيير وضعية الضمير ، عندما أصبح المرسل الحقيقي مرسلا إليه والمرسل إليه الأصلي مرسلا ، يمكنها أن تتحول إلى خاتمة للقرآن ككل ، على أساس ستصبح استجابة نهائية للخطاب الذي تلقاه الرسول من ربه كرسالة حاملة ثقلها الدنيوي والأخروي ، بمؤهلات عدة جعلت المتلقي الطبيعي في حالة انبهار وذهول ، مما جعل منه في وضع يطلب فيه الرحمة والمغفرة بالشكل الذي تتضمنه السورة.
خاتمة دراستي للسورة الأولى/ الفاتحة .سأحددها على شكل خلاصات واستنتاجات :
بعد قراءتي للسورة الأولى للخطاب القرآني المعنونة ب(سورة الفاتحة) ، يمكنني أن أخلص إلى الاستنتاجات التالية :
– سورة وظف فيها الاشتغال على تقنية  البرنامج السردي بشكل  دقيق، ثم استحضار كل الشروط اللازمة لنجاحه.
– ثم توظيف أقطاب الخطاب توظيفا غير من طبيعة الرسالة ، عندما أصبح المرسل الأصلي مرسلا إليه والمرسل الحقيقي إلى مرسل ، شكلت هذه العوامل الثلاث كما أشرت ، خصائص مهمة أسهمت كلها في بناء  علاقات إجرائية أسست خطابا سرديا مبنيا بناء تاما توفرت فيه كل شروط التعالق السيميوطيقي بالصورة التي تكلمت عنها في التحليل.
سعيد فرحاوي..
– لنا عودة في مقاربة أخرى ، سندرس فيها سورة البقرة حسب الصيغ السيميوطيقية الموظفة .